في جلسة يترقبها الشارع الأردني غدًا، يقف مجلس النواب أمام اختبار جديد يتعلق بقانون إلزامي المركبات وعقود التأمين، في وقت تصاعدت فيه مطالبات الشركات برفع الأقساط رغم الأرباح الطائلة التي حققتها خلال السنوات الأخيرة. القضية لم تعد مجرد أرقام أو جداول اكتوارية، بل تحولت إلى ملف يمس معيشة المواطن اليومية، ويطال حقه في تنقل آمن وكلفة عادلة، ويضع الدولة أمام مسؤولية تحقيق توازن دقيق بين مصالح القطاع وشروط العدالة الاجتماعية.
الأسئلة المطروحة اليوم ليست حول ما تريده شركات التأمين، بل عمّا يمكن أن يتحمله المواطن الذي يدفع ثمن كل تعديل وكل قرار. الشارع يتساءل: كيف تُطالب الشركات برفع إلزامي المركبات وهي التي سجّلت أرباحًا قياسية، وكيف تُعاد هيكلة قانون التأمين دون مراجعة جذرية لأسباب الخلل التي يعرفها الجميع؟ يذهب البعض إلى أن المشكلة ليست في قيمة القسط، بل في ضعف الرقابة، وغياب آليات عادلة للتعويض، واستمرار الخلافات بين المتضررين والشركات، ما يجعل المواطن يحسّ أنه الطرف الأضعف في كل معادلة.
غدًا، سيكون النواب أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانحياز لخطاب الشركات الذي يلوّح بالخسائر والمخاطر، أو الانحياز لوضع اقتصادي ضاغط على الأردنيين الذين يواجهون ارتفاعًا متواصلًا في تكاليف الحياة. والتعامل مع القانون يتطلب قراءة أعمق من مجرد رفع أو تخفيض، بل يتطلب إعادة صياغة لمنظومة التأمين كافة، بحيث تكون عادلة للمواطن، ومستقرة للشركات، وواضحة في نصوصها، وتمنح الجهات الرقابية أدوات أقوى تمنع التجاوزات والتلاعب.
الشارع ينتظر أن يتبنى النواب نهجًا يقوم على الشفافية الكاملة، وأن يطلبوا من الحكومة والشركات كشف بيانات الأرباح الحقيقية، وحجم التعويضات، ونسب المخاطر، وكل ما يتصل بآليات عمل القطاع. فالتشريع لا يُبنى على ادعاءات، بل على أرقام واضحة تحمي أصحاب المركبات من تحميلهم أعباء غير مبررة.
كما يتوقع الأردنيون من المجلس أن يصوغ بنودًا تُنهي مشكلة التأخير في التعويضات، وتفرض سقوفًا واضحة لأي رفع مستقبلي، وتُحسّن مستويات الخدمة، وتُلزم الشركات بمعايير تضمن الحد الأدنى من العدالة والأمان للمواطن الذي لطالما شعر بأنه الحلقة الأضعف.
غدًا، لن يكون النقاش تقنيًا فقط. إنه نقاش حول دور الدولة في حماية مواطنيها، وحول قدرة مجلس النواب على الوقوف في وجه الضغوط الاقتصادية الكبيرة، وحول فهم المعادلة القائلة إن الربحية المشروعة شيء، وتحميل المواطنين فوق طاقتهم شيء آخر.
ويبقى السؤال: هل سيخرج المجلس بقرار يحفظ التوازن المطلوب، أم أن ضغوط الشركات ستجعل من قانون إلزامي المركبات عبئًا جديدًا على المركبات التي تمخر شوارع الأردن كل يوم؟