الاعتذار من الخصاونة واجب ؟



د. ضيف الله الحديثات 
ليس القصد هنا الدفاع عن الدكتور بشر الخصاونة، بقدر ما هو وضع الامور في سياقها الصحيح، خصوصا بعد حملة الانتقادات الاخيرة التي اخذت منحى لا يشبه النقد الموضوعي ولا يعكس قيم العدالة في تقييم رجالات الدولة.

الرجل خرج في لقاء اعلامي وقدم شرحا هادئا لطبيعة العلاقة المؤسسية بين رئيس الوزراء ومدير المخابرات العامة، وهي علاقة حددتها النصوص وكرستها الممارسة السياسية في الاردن منذ عقود. ما قاله لم يحمل اي خروج عن الدستور ولا اي اشارة تستوجب الضجيج الذي تبع المقابلة، بل كان وصفا لواقع يعرفه كل من تابع بنية الشأن العام.

من هاجم الخصاونة اركن ذاكرته ومنطقه جانبا وتناسى تاريخه وانه ابن بيئة سياسية وقانونية راسخة، وان الرجل ليس طارئا على الدولة ولا باحثا عن الشهرة. من يعرف مسيرته يدرك انه صاحب مدرسة في الرصانة والقوة، يفضل لغة العقل والمنطق على المزايدات، ويتعامل مع الاختلاف باعتباره ظاهرة صحية لا تناحر من خلف الشاشات.
دولة الدكتور بشر الخصاونة تولى رئاسة الحكومة في واحدة من اصعب المراحل التي مرت على الاردن، جائحة كورونا وما رافقها من ارتباك عالمي، ثم الازمة الاقتصادية التي هزت اسواق المنطقة. ورغم قسوة الظروف استطاع ان يقود الدولة بثبات، وان يوازن بين متطلبات الصحة العامة وحماية الاقتصاد، وان يدير ملف اللقاحات وتداعيات الاغلاق بطريقة جنبت البلاد فوضى شهدتها دول كثيرة.

قد نتفق وقد نختلف على قرارات حكومته، وهذا حق مشروع، لكن من الظلم تجاهل الجهد الكبير الذي بذله الرجل وفريقه في مرحلة استثنائية كانت فيها الخيارات محدودة والتحديات اكبر بكثير من اي قدرة بشرية على ارضاء الجميع.

الهجوم الذي تعرض له مؤخرا لم يكن نقدا، بل صراخا مبنيا على مقاطع مجتزأة واقتباسات خارج سياقها، وهي ظاهرة اصبحت للاسف جزءا من المشهد اليومي الذي يحول الكلمات الى احكام مسبقة ويصنع ضجيجا بلا مضمون.

دولة ابو هاني لا يحتاج لمن يدافع عنه، فالرجل معروف بحصافته وذكائه وهدوئه، ولا يلتفت الى صغائر الامور، وهذا ربما ما يزعج خصومه الذين يبحثون عن مطبات لعله يقع فيها، لكن الرجل تماما مثل الاشجار العالية يترفع عن صغائر الامور بخبرته وعلمه والخدمات التي قدمها.

لذا آن الاوان ان يكون تقييم رجالات الدولة ضمن معيار عادل، وان الخلاف السياسي لا يبرر الاساءة. المملكة اليوم بحاجة، واكثر من اي وقت مضى، الى خطاب عقلاني يحترم المنطق ويبتعد عن صناعة الضوضاء. والدكتور الخصاونة يبقى واحدا من الشخصيات التي احسنت خدمة الدولة في الاوقات الصعبة، دون ادعاء او بحث عن بطولة صوتية. وعلينا ان نعتذر منه ونقول: حقك علينا دولة ابو هاني.