تتقدم الحوكمة لتشكّل الركيزة الأهم في قدرة المؤسسات والحكومة الأردنية على التعامل مع التحديات وتوجيه الفرص بصورة متوازنة، إذ تلبّي الحاجة المتصاعدة إلى بناء منظومات رقابية وشفافة تُسهِم في تعزيز الثقة وصنع قرار يستند إلى البيانات. وتؤكد تقارير OECD والبنك الدولي أن الدول التي تعتمد أطر حوكمة متقدمة تُحقق قدرة أعلى على امتصاص الصدمات وتحسين جودة الخدمات، وهو اتجاه يعكس أهمية تطوير البنية المؤسسية في الأردن بما ينسجم مع أفضل الممارسات العالمية.
ويُسهم دمج الحوكمة بإدارة المخاطر في تأسيس نموذج عملي يُمكّن المؤسسات من رصد التهديدات المحتملة وتحليل أثرها ووضع خطط استجابة فعّالة. ويظهر ذلك بوضوح في التجربة السنغافورية التي تعتمد وحدات تقييم مخاطر داخل كل مؤسسة حكومية، ما يساعد في اكتشاف مواطن الخلل قبل تحوّلها إلى أزمات. وتبيّن دراسات Civil Service College Singapore أن هذا النهج أسهم في رفع كفاءة الإنفاق وتحسين استمرارية الخدمات، وهو نموذج يمكن للأردن الاستفادة منه في تطوير منظومته الإدارية.
وتبرز بريطانيا مثالًا آخر على الاحترافية في إدارة المخاطر عبر وحدة Risk Assessment and Horizon Scanning التابعة لمكتب مجلس الوزراء، والتي تعمل على تحليل الاتجاهات طويلة المدى، ومخاطر سلاسل التوريد، والتغيرات الجيوسياسية. وتظهر الوثائق الحكومية البريطانية أن هذا النهج رفع قدرة الدولة على التعامل مع أزمات الطاقة والإمداد، مؤكدة أهمية الدمج بين التحليل الاستشرافي والحوكمة الرشيدة كأداة للتخطيط المسبق لا لمجرد الاستجابة المتأخرة.
وتتقدم المؤسسات الأردنية تدريجيًا نحو تعزيز سياسات الامتثال والشفافية، وتطوير الأطر القانونية التي تضمن استدامة الأداء وتزيد قدرة الحكومة على جذب الاستثمار وتعزيز ثقة المجتمع. ويزداد هذا التوجّه أهمية مع سعي الأردن إلى مواءمة عملياته المؤسسية مع أفضل نماذج الحوكمة المعتمدة عالميًا، بما في ذلك دمج إدارة المخاطر في دورة التخطيط الاستراتيجي وإعداد الموازنات وتصميم السياسات العامة.
وتشير تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن الدول التي تربط بين الحوكمة وإدارة المخاطر تُحقّق مرونة أعلى وقدرة أكبر على تحقيق النمو، إذ توفّر بيئة مؤسسية تُقلّل من المفاجآت وتدعم الابتكار. ويؤكد ذلك أن تطوير الحوكمة ليس خيارًا إداريًا فحسب، بل ضرورة لتعزيز الاستقرار وتحديث الأداء الحكومي.
وعندما تعتمد الحكومة الأردنية منظومة متكاملة تقوم على المساءلة والتقييم المستمر والإفصاح، فإنها تمهّد لمرحلة جديدة من الاحتراف المؤسسي، وتدفع إدارة المخاطر لتصبح جزءًا أصيلًا في صناعة القرار، بما يعزّز النمو ويقوّي قدرة الدولة على مواجهة الأزمات بثقة وكفاءة.