البحث العلمي والصناعات الاردنية ؟!


د.ضيف الله الحديثات 

يشهد العالم تحولات متسارعة نحو اقتصاد متطور معرفي، حيث اصبحت  الابحاث العلمية والابتكار الركيزة الرئيسة في تطوير القطاعات الصناعية وتعزيز تنافسيتها، وفي الاردن، ورغم وجود قاعدة علمية جيدة في الجامعات والمراكز البحثية، الا ان العلاقة بين البحث العلمي والصناعة ضعيفة وغير قادرة على انتاج اثر فعلي ينعكس على نمو القطاعات الصناعية.

تشير البيانات المتاحة الى ان حجم الانفاق على البحث العلمي في الاردن يتراوح بين 0.3 بالمئة و 0.5 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهي نسبة متواضعة مقارنة بالمعدل العالمي الذي يقترب من 2.2 بالمئة. كما تظهر الارقام ان عددا محدودا جدا من الابحاث الصادرة عن الجامعات الاردنية يجد طريقه الى التطبيق الصناعي، الامر الذي يحد من جدوى هذا الانتاج العلمي رغم قيمته الاكاديمية.

اما المصانع الاردنية فانها تواجه تحديا يتمثل في ضعف الاستثمار في البحث والتطوير، اذ يعتمد الكثير منها على خطوط انتاج تقليدية، ما يجعل منتجاتها محدودة القدرة على المنافسة في الاسواق الخارجية، ويزيد في الوقت ذاته من الاعتماد على الاستيراد.


 الاردن يمتلك قطاعات صناعية قادرة على الاستفادة من البحث العلمي بصورة كبيرة، وفي مقدمتها صناعة الادوية التي تعد من اهم الصناعات الوطنية، لكنها تحتاج الى توسيع قاعدة الابحاث المتقدمة والدراسات الدوائية للوصول الى منتجات جديدة، كذلك الامر في قطاع الصناعات الإلكترونية والغذائية وهذه وغيرها يمكن ان تحقق تقدما واسعا، ولا ننسى قطاع الطاقة المتجددة، فلا يزال بحاجة الى مراكز بحثية متخصصة تعزز قدرته على تطوير حلول محلية مبتكرة.


وحتى يصبح البحث العلمي محركا للصناعة الوطنية، لا بد من اعتماد سياسة واضحة تعيد بناء العلاقة بين الجامعة والمصنع على اسس عملية قابلة للتنفيذ.

وهنا لا بد من انشاء مراكز تميز صناعي تكون طريقا بين المعرفة الاكاديمية واحتياجات السوق، وتأسيس صندوق وطني يدعم الابحاث التطبيقية التي تقدم حلولا حقيقية للصناعة، وعمل شراكات استراتيجية بين القطاعين العام والخاص لتوجيه البحث العلمي نحو اولويات وطنية محددة.

ان تطوير الصناعة الاردنية لا يمكن ان يتحقق من دون الاستفادة من مئات مشاريع الابحاث ومشاريع التخرج التي يقوم عليها الطلبة والباحثين، بدل ان تبقى حبيسة الادراج، لا بل تكون اداة رئيسة للنهوض، لالصناعة التي تعتمد على الابتكار وتمتلك قدرة اكبر على دخول اسواق جديدة، وخلق فرص عمل نوعية، وجذب الاستثمارات، وتعزيز الصادرات.

وفي المقابل فان استمرار العلاقة  الحالية غير الودية بين البحث العلمي والصناعة يبقي القطاع الصناعي محدود النمو وغير قادر على مجاراة التنافسية الاقليمية والعالمية.

وفي ظل ما يواجهه الاقتصاد الوطني من تحديات، تبدو الحاجة ملحة لربط الجهد العلمي بالمصانع، وتحويل الابحاث من اوراق منشورة الى مشاريع قابلة للتطبيق، وهو مسار كفيل بان يضع الصناعة الاردنية على طريق اكثر استدامة وابتكارا، ويعزز دورها كرافعة اساسية للاقتصاد الوطني، وهنا لا بد من الاستفادة من تجارب دول كثيرة كان لها الصدارة في هذا المضمار مثل  الامريكية والدول الأوروبية ودول شرق اسيا وغيرها الكثير .