نقطة الحبر التي أفسدت دلو الحليب

 
باسم عارف الشوره 

يُقال في الموروث الشعبي: نقطة حبر تفسد دلو حليب، وهي عبارة تختزل ما يجري اليوم في بعض مشاهدنا الوطنية التي تؤلم كل غيور على الأردن. فكما تفسد النقطة الصغيرة صفاء الحليب الأبيض، تفسد الحماقة الواحدة صورة وطنٍ بأكمله.

ما جرى في الجامعة الأردنية من مشاجرة، وما تبع في الضليل من فوضى في وليمة، ليسا مجرد حوادث عابرة، بل جرس إنذار يدقّ بقوة في وجه المجتمع كله. لقد تحولت الجامعة منارة العلم والعقل — إلى ساحة عراكٍ مؤسفة، وغابت الحكمة عن بعض الأيدي التي كان ينبغي أن ترفع القلم لا العصى.
وفي المقابل، خرجت بعض الولائم عن معناها النبيل، وتحوّلت من مظاهر كرمٍ واحترامٍ إلى استعراضٍ غير مسؤول للسلاح، ومشهدٍ لا يليق بوجه الأردن الأصيل.

إنّ ما نراه اليوم لا يمثل الأردنيين، لكنه — للأسف — يلطّخ الصورة العامة كما تلطخ نقطة الحبر دلو الحليب النقي.
فليس من الرجولة أن تُروّع الناس، ولا من الفزعة أن تُهين القانون، ولا من الكرامة أن ترفع سلاحك بدل أن ترفع خُلقك.

الأردن قام على قيمٍ راسخة: علم، انضباط، شهامة، واحترام.
فمن العيب أن نهدم ما بناه الآباء بشجاعة، من أجل لحظة غضب أو مشهد "بطولة" زائفة أمام الكاميرات.

أيها المسؤولون، أيها الأكاديميون، أيها الآباء،
إنّ الوطن يناديكم اليوم لتعيدوا إليه اتزانه قبل أن تتسع البقعة السوداء.
على الأسرة أن تُربّي قبل أن تُبرر، وعلى الجامعة أن تربي العقل قبل أن تخرّج الشهادة، وعلى الدولة أن تحسم الفوضى بحزمٍ وعدلٍ لا يعرف المجاملة.

هذا البلد ليس ملعبًا للجهلة، ولا ساحةً للعصبيات، بل بيتٌ كبير بناه الشرفاء بدمهم وعرقهم، وسقوه بالحليب النقي الذي يرمز إلى الطهر والانتماء والكرامة.
فاحذروا النقطة السوداء… لأن دلو الحليب إن فسد، لا يُصفّى من جديد.