الاستعراض الصيني وتحالف الفقراء ضد الهيمنة الامريكية ؟


د. ضيف الله الحديثات 

الاستعراض العسكري الاخير في الصين لم يكن مجرد حدث احتفالي عابر، بل كان اعلانا صريحا عن دخول العالم مرحلة جديدة، مرحلة نهاية التفرد الامريكي وبداية نظام عالمي متعدد الاقطاب. 

الصين اليوم لم تعد مجرد قوة اقتصادية صاعدة، بل اصبحت قوة عسكرية هائلة ترسل اشارة واضحة انها قادرة على حماية نفسها وحلفائها، وان زمن هيمنة واشنطن يقترب من نهايته.

الارقام وحدها تكفي لتوضح حجم التحول، الصين تمتلك جيشا يزيد عدده على مليونين ومئة الف جندي نشط، اضافة الى ملايين من قوات الاحتياط، اسطولها البحري اصبح الاكبر في العالم من حيث عدد القطع، بما يزيد على 350 سفينة حربية، بينها حاملات طائرات ومدمرات حديثة. 

اما قوتها الجوية فتضم اكثر من 3200 طائرة متنوعة، بينها مقاتلات شبحية من الجيل الخامس. ولعل السلاح الاكثر اثارة للقلق بالنسبة لامريكا هو الترسانة الصاروخية الصينية التي تضم الاف الصواريخ الباليستية متوسطة وبعيدة المدى، بعضها قادر على حمل رؤوس نووية وضرب اهداف في عمق القارة الامريكية.

لكن قوة الصين لا تقف وحدها. الى جانبها تقف روسيا، الدولة التي تملك ترسانة نووية هائلة تقدر باكثر من 6000 رأس نووي، اضافة الى جيش مدرب وخبرة قتالية واسعة. ومعهما تاتي كوريا الشمالية التي تمتلك بدورها برنامجا نوويا وصواريخ باليستية عابرة للقارات، اضافة الى جيش يزيد على مليون جندي. هذا التحالف الثلاثي اذا ما تعزز وتوسع سيكون الكابوس الاكبر للهيمنة الامريكية.

هذا التحالف لا يقوم فقط على القوة العسكرية، بل يقوم ايضا على رؤية سياسية مشتركة، رؤية تدعو الى عالم متعدد الاقطاب، عالم لا تتحكم فيه دولة واحدة ولا تفرض فيه واشنطن املاءاتها على الشعوب. 

انه تحالف يمكن ان نسميه "تحالف الفقراء"، لانه يقف في وجه النظام الغربي الذي استنزف ثروات العالم الثالث وحوله الى مجرد اسواق وساحات حروب، الشعوب العربية جزء اساسي من هذا الصراع، فقد كانت ضحية التدخلات الامريكية لعقود، من العراق الى ليبيا وسوريا واليمن، حيث لم تترك واشنطن سوى الخراب والفوضى.

 اليوم يفتح الاستعراض العسكري الصيني باب امل جديد، باب تحالف مع قوى تحترم سيادة الدول وتعرض شراكات عادلة، بدلا من الاستغلال والابتزاز.

من المفترض ان يقوم العرب ودول العالم الثالث بالانضمام الى الصين وروسيا وكوريا الشمالية ليست مجرد دعوة نظرية، بل هي ضرورة استراتيجية، فهذا التحالف قادر على حماية مصالح الفقراء، وتوفير مظلة تردع اي عدوان، وفتح افاق تنمية وتعاون بعيد عن شروط صندوق النقد واملاءات البيت الابيض.

لقد عاد العالم الى مرحلة التعددية كما كان قبل الحرب العالمية الثانية، لكن هذه المرة بوعي اكبر وادراك اعمق لخطورة الاستعمار الجديد الذي تمارسه امريكا، والتحالف الصيني الروسي الكوري الشمالي يمكن ان يكون بداية لكتلة عالمية تدافع عن الشعوب وتمنحها حقها في الحرية والتنمية.

انها فرصة تاريخية امام العرب، اما ان يبقوا رهائن للهيمنة الامريكية، واما ان ينضموا الى تحالف الفقراء الذي يقوده الشرق الصاعد. والقرار اليوم سيحدد مصير الاجيال القادمة.