في زمنٍ تتسابق فيه الصور، وتتهافت فيه المقاطع، وتحتشد فيه المنصات بضجيجٍ لا يهدأ؛ صار المحتوى المرئي سيّد الساحة، يفرض حضوره بسطوة السرعة، ويغري العيون بلمعانه الخاطف. غير أنّ السؤال الأعمق يبقى: هل كل ما يلمع ذهبًا؟ أم أن كثيرًا مما نشاهده اليوم ليس إلا "زوبعة في فنجان" سرعان ما تنطفئ وتتبخّر؟
إنّ المحتوى المرئي بلا فكرة ناضجة أشبه بصرخة في وادٍ، أو برقٍ يتلألأ لحظة ثم يذوب في عتمة الليل. فالمشاهد الذكي لم يعد يُغريه البهرج ولا يطيل الوقوف عند المشهد المكرر، بل يبحث في العمق عن المعنى، وفي التفاصيل عن الرسالة. وهنا تتجلّى الحقيقة: الصورة وحدها لا تكفي، إنما القيمة هي التي تمنحها البقاء.
لقد خُلق الإنسان ميّالًا إلى الحكاية، متعطشًا للفكرة، تائقًا لما يُخاطب وجدانه وعقله معًا. وحين يلتقي جمال الصورة مع نضج الفكرة، تولد الرسالة المؤثرة التي تتجاوز اللحظة إلى الأثر، وتتحول من مجرد عرض عابر إلى مشروع حيّ يُحدث فرقًا.
أما ذاك المحتوى العاجل الذي يركض وراء "الترند" ويُشعل نفسه بلا وقود، فإنه ما أسرع أن يذوي ويُطوى في أرشيف النسيان. فالزمن لا يرحم الضجيج الفارغ، ولا يخلّد إلا ما صُنع بعقلٍ واعٍ وروحٍ صادقة.
إنّ صناعة المحتوى ليست كاميرا وعدسة وإخراجًا مُنمّقًا فحسب، بل هي فكرٌ يبذر المعنى في أرض الوعي، لتثمر صورةً ذات رسالة، وكلمةً ذات أثر. وما بين زوبعة عابرة وفكرة خالدة، يكمن الفرق بين حشدٍ عابر من المشاهدات، وبين بصمةٍ باقية في ذاكرة الناس والتاريخ.