د. ضيف الله الحديثات
اعادة خدمة العلم في الاردن ليست مجرد قرار اداري او برنامج شبابي، بل خطوة تعكس ادراكا عميقا لمتطلبات المرحلة الراهنة، وما تحمله من تحديات تمس وجود الدولة وامنها وهويتها.
فالمنطقة تعيش حالة فوضى سياسية وامنية غير مسبوقة، وعلى راسها المشروع الصهيوني التوسعي الذي لم يتوقف منذ اكثر من قرن، في مواجهة هذا الواقع، يدرك الاردن بكافة مكوناته ان بناء قوة الدولة يبدأ من الانسان، وان الشباب هم خط الدفاع الاول في اي مواجهة، سواء عسكرية او فكرية او مجتمعية.
خدمة العلم تمثل اداة استراتيجية لاعادة صياغة علاقة الجيل الجديد مع الدولة، عبر ادماجهم في منظومة قيمية قائمة على الانضباط، العمل الجماعي، والالتزام بروح القانون. هذه الخدمة، وان بدت تدريبا عسكريا في ظاهرها، الا انها في جوهرها مدرسة وطنية لتاهيل الشباب وربطهم مباشرة بجيشهم ومؤسساتهم، بعيدا عن الفردية والانعزال .
ولعل ما يلفت الانتباه ان هذا القرار جاء بارادة ملكية وشجاعة شبابية من سمو ولي العهد الامير الحسين بن عبدالله الثاني، الذي اعلن بوضوح عودة خدمة العلم، جاء الاعلان ليؤكد ان الجيل الجديد من القيادة الاردنية يدرك تماما حجم المخاطر التي تواجه الوطن، ويؤمن بان الاستثمار الحقيقي هو في الانسان الاردني، القادر على حمل راية بلاده في الميدان كما في البناء والتنمية.
كما ان القرار يكتسب بعدا اجتماعيا مهما، فهو يعيد دمج الشباب من مختلف البيئات والطبقات تحت سقف واحد، ما يرسخ مبدأ المساواة ويعزز مناعة الجبهة الداخلية، وهذه الجبهة هي الرصيد الحقيقي للدولة في مواجهة الضغوط الخارجية، سواء السياسية او الامنية.
لقد اثبت التاريخ ان الاردن، برغم صغر مساحته وقلة موارده، كان دوما سدا امام الاطماع الاسرائيلية منذ وعد بلفور وحتى اليوم. وما عودة خدمة العلم الا امتداد لهذا الدور، وتاكيد ان حماية الوطن لا تنفصل عن اعداد المواطن.
هذه الخطوة تاسس لمرحلة جديدة، عنوانها ان الاردن يختار المواجهة بالفعل لا بالانتظار، وبالتحصين لا بالارتهان. وهي في الوقت ذاته تعكس وضوح رؤية ولي العهد، الذي اختار ان يضع الشباب الاردني في قلب معركة الدولة من اجل البقاء والكرامة والسيادة .