ما أشبه الأمس باليوم ...غزة وبنو هاشم ؟

د. محمد الهواوشه 
في صفحات التاريخ الإسلامي، تقف حادثة مقاطعة بني هاشم كشاهد على وحشية الظلم وصمود الحق أمام الباطل. قبل أكثر من 1400 عام، اجتمعت قريش على ظلم النبي محمد ﷺ وبني هاشم، فكتبوا وثيقة جائرة تُمنع عنهم التجارة والزواج والمخالطة، حتى حُصروا في شعب أبي طالب ثلاث سنوات كاملة. نفد الطعام، وجفّ الماء، وأصبحوا يأكلون أوراق الشجر من شدة الجوع، بينما كان الأطفال يصرخون من شدة الألم.

لكن… لم يخلُ ذلك الزمان من أصحاب الضمائر الحية. فقد وقف بعض من كفار قريش ضد هذا الظلم، مثل هشام بن عمرو والمطعم بن عدي، حتى مزّقوا الوثيقة المعلقة على جدار الكعبة، بعدما أكلتها الأرضة إلا اسم الله، وفكّوا الحصار الجائر.

واليوم، تتكرر المأساة في غزة، ولكن بصورة أشد قسوة وبأسلحة أشد فتكاً. حصار خانق، تجويع متعمد، وحرمان من أبسط مقومات الحياة، حتى باتت مشاهد الأطفال الجائعين والجرحى تصرخ في وجه العالم. والفرق أن وثيقة قريش كانت مكتوبة على ورق، أما وثيقة حصار غزة فهي مطبوعة في ضمائر بعض القوى الكبرى، وممهورة بختم الصمت الدولي.

إن ما يفعله الاحتلال في غزة ليس جديداً على قاموس الطغاة، لكنه امتحان متكرر لضمير الإنسانية. في الماضي، انتصر الحق عندما تحرك أصحاب المروءة وفكوا الحصار عن بني هاشم، وفي الحاضر… سيظل التاريخ يترقب: من سيقف اليوم موقف المطعم بن عدي وهشام بن عمرو؟ ومن سيكتب اسمه في سجل الشرف؟

إن غزة اليوم لا تحتاج فقط إلى كلمات التعاطف، بل إلى مواقف جريئة، وضغوط حقيقية، وصرخات تزلزل جدار الصمت. فكما انتصر الصابرون بالأمس، ستنتصر غزة اليوم، وسيُكتب العار على من رضي بالظلم أو سكت عنه.

التاريخ لا ينسى… والأمة لا تموت.