ها هو التعديل الوزاري يطلّ علينا مجددًا، وهذه المرة من بوابة حكومة الدكتور جعفر حسّان، التي قيل عنها إنها حكومة التحديث والانطلاقة الثانية نحو رؤية اقتصادية واعدة. وها هو مكتب رئاسة الوزراء يعلن أن التعديل سيكون "واسعًا"، يشمل ثلث الفريق الوزاري ونصف فريق التحديث... لكن السؤال الأهم: هل تغيّر الأسماء سيغيّر الواقع؟ وهل تعبئة الكراسي ستعني بالضرورة تعبئة موائد الناس بما يسد رمقهم ويُشعرهم بثمرة كل هذه الرؤى والخطط؟
منذ سنوات، نُغرق بسيل لا ينقطع من الشعارات: التحديث الاقتصادي، النمو الشامل، التمكين، التمركز حول المواطن، التحول الرقمي، الاستثمار في الإنسان... كلمات جميلة، لا ينكر أحد ضرورتها، ولكنها للأسف تُقال أكثر مما تُطبَّق، وتُعلَّق في قاعات المؤتمرات أكثر مما تُلمَس في الأسواق أو في جيوب المواطنين.
إن كان هذا التعديل مجرد "ترضية سياسية" أو "تدوير كراسي" أو "مكافآت للصامتين"، فلن يختلف كثيرًا عن غيره من التعديلات التي سبقت، والتي اكتفى الشارع تجاهها بهزّ الرأس والقول: لا جديد تحت الشمس.
أما إن كان تعديلًا حقيقيًا، نابعًا من إرادة صادقة لإحداث الفرق، فإن الشعب – الذي ملّ الانتظار – يستحق أن يرى التغيير لا في المسمّيات، بل في الخدمات، في فرص العمل، في جودة التعليم، في رعاية صحية تُعنى بالفقراء لا بالأوراق.
نحن لا نطلب المعجزات، بل فقط أن تُترجم الخطط إلى أفعال، وأن تتحدث النتائج بلغة لا تحتاج إلى ناطق رسمي كي تُفهَم. المواطن الأردني ذكي بما يكفي ليفهم متى يكون القرار لصالحه، ومتى يكون فقط لصالح الصورة الإعلامية.
إن التعديل القادم، إن لم يكن بداية فعلية لتصحيح المسار، فلن يكون أكثر من ضوءٍ باهت في نفق بات يُرهقنا طولُه. والتاريخ لا يرحم، والشعوب لم تعد تقرأ فقط، بل تُدقق وتُحاسب، ولو بعد حين.
فهل نرى هذه المرة طحينًا حقيقيًا؟ أم سيظل الطحن بلا طائل؟!