تُزَفّ العرائس إلى المدينة الصناعية



باسم عارف الشوره 

ليست القضية في بناء صالة أفراح في مادبا، بل في أين وكيف ولماذا بُنيت. فالصالة التي أُقيمت بجانب المدينة الصناعية ليست مشروعاً اجتماعياً بقدر ما هي قرار تخطيطي صادم، يطرح أسئلة قاسية عن فهم المسؤولين لمعنى المدينة، والفرح، وكرامة الناس.
أي عقل تخطيطي يقبل أن تُقام صالة أفراح—مكان للبهجة واللقاء والاحتفال—وسط الضجيج الصناعي، والشاحنات الثقيلة، والبيئة القاسية؟ كيف يُطلب من الناس أن يفرحوا في موقع لا يشبه الفرح، ولا يمت له بصلة، وكأن الأفراح عبء يجب إبعاده عن قلب المدينة لا احتضانه فيها؟
هذه الصالة لم تُبنَ حيث يعيش الناس، بل حيث يسهل وضعها بعيداً عن العيون، وبعيداً عن المساءلة. اختيار الموقع لم يكن بريئاً، ولم يكن ناتجاً عن دراسة اجتماعية أو مرورية أو حتى منطق حضري بسيط. هو قرار يعكس فلسفة خطيرة: أي مشروع… ضعه في الأطراف، وليتدبر المواطن أمره.
الفرح ليس مناسبة عابرة، بل فعل اجتماعي، يحتاج سهولة وصول، وأمان طرق، وخدمات محيطة، وبيئة إنسانية. أما أن تُزف العرائس على طرق صناعية، وأن تُقاد الأفراح بين المصانع والمستودعات، فذلك اختزال فجّ للإنسان إلى رقم، وللمناسبة إلى عبء لوجستي.
المال العام الذي أُنفِق على هذه الصالة ليس مالاً بلا صاحب. هو مال الناس، ومن حقهم أن يُسأل: من قرر الموقع؟ ما المعايير؟ وأين كانت البلدية، والمجالس، والدراسات، والمساءلة؟ أم أن القرار اتُّخذ بعقلية "أنجزوا المشروع… والباقي لا يهم”؟
المدن تُقاس بذكاء تخطيطها لا بعدد مبانيها. ومادبا لا تحتاج صالات تُقام على الهامش، بل تحتاج قرارات تُبنى في صلب المدينة ووجدانها. أما صالة أفراح تُحاصرها المصانع، فهي ليست إنجازاً، بل شهادة إدانة على تخطيط فقد بوصلته، وقرارات لا ترى الإنسان إلا في آخر السطر.
هذا ليس هجوماً على فكرة الفرح، بل دفاع عنه. لأن الفرح حين يُنفى إلى أطراف المدينة، فالمشكلة ليست في الموقع فقط… بل في العقل الذي اختاره.