نبني أولًا… ثم نفكر لاحقًا: قصة مركز شباب بدر


باسم عارف الشوره 

ليست هذه قصة عن مبنى عادي، ولا عن مركز شباب تعثّر تشغيله لسببٍ طارئ، ولا عن خطأ إداري بسيط يمكن تداركه بتعميم أو لجنة أو كتاب رسمي. هذه قصة عن منهج تفكير كامل تُدار به القرارات العامة؛ منهج يبدأ بالصرف، ويتباهى بالإنجاز، ثم يتذكّر – متأخرًا – أن يسأل السؤال الأهم: ماذا بعد؟
ربع مليون دينار من المال العام أُنفقت على مبنى مكتمل الجدران، جميل في الصور، فارغ في الواقع، معزول عن محيطه، بلا شارع نافذ يصل إليه، وبلا إمكانية تشغيل قانونية، وبلا روح. مبنى استُلم منذ عامين، لم يدخله الشباب يومًا، ولم يسمع ضحكة أو نشاطًا أو حوارًا، بل سُجّل عليه عبث وسرقة، كأن الدولة شيّدته… ثم تركته لمصيره.
هنا لا نتحدث عن مركز شباب، بل عن رمز. رمز لقرارات تُتخذ من المكاتب، لا من الميدان؛ تُوقَّع بالأقلام، لا تُختبر بالأقدام. فكيف يُبنى مركز بلا طريق؟ وكيف يُعلن الإنجاز قبل أن يُفكَّر بالوصول؟ وكيف تُصرف الأموال العامة دون أن يُطرح السؤال البديهي: من سيستخدم هذا المكان؟ وكيف سيصل إليه؟
ما حدث في مركز شباب بدر هو صورة مصغّرة عن سياسات نسمع عنها كثيرًا، نراها في العناوين والخطط والاستراتيجيات، لكننا حين نحاول لمس أثرها في حياتنا اليومية، نصطدم بالحقيقة نفسها: لا طريق. سياسات تُرى من بعيد، لكنها لا تصل إلى الناس، تمامًا كما لا يصل الشارع إلى هذا المبنى.
المشكلة ليست في الفكرة بحد ذاتها، ولا في النوايا المعلنة، بل في الفجوة الهائلة بين ما يُقال وما يُنفَّذ، وبين ما يُصرف وما يُنتج. وهنا يصبح السؤال أكبر من مبنى مهجور:
كم مشروعًا آخر في هذا البلد بدأ بالإسمنت وانتهى بالفراغ؟
وكم مرة سنواصل البناء أولًا… ثم نفكر لاحقًا؟