ما جرى في ملف صوبة الشموسة لا يمكن التعامل معه كخلل إداري عابر، ولا يجوز اختزاله بقرار إحالة على التقاعد، وكأن الأرواح التي أُزهقت يمكن طيّها بكتاب رسمي. نحن أمام وفيات حقيقية، ونتائج كارثية سببها الإهمال والتقصير وغياب الاحتراز، لا أمام خطأ وظيفي يُعالج بإجراء إداري.
إن إحالة أي مسؤول على التقاعد لا تُغلق الملف، ولا تُسقط الحق العام، ولا تُنهي المسؤولية الجزائية. فالحق العام لا يسقط بالتقادم الإداري، ولا يُدار بالقرارات، بل يُصان بالقانون، ويُحسم أمام القضاء.
القضية واضحة في توصيفها القانوني: التسبب بوفاة أشخاص نتيجة الإهمال وعدم اتخاذ التدابير اللازمة للسلامة العامة. وهو وصف جرمي جزائي مكتمل الأركان، لا يقبل التأويل ولا المواربة، ولا تختص به لجان داخلية أو تقارير مكتبية.
الجهة المختصة اليوم، دون اجتهاد أو التفاف، هي النيابة العامة، والمطلوب فتح تحقيق جزائي شامل ومستقل يكشف الوقائع كاملة، ويحدد المسؤوليات بوضوح: من سمح بتداول هذه الصوبات؟ من راقب ومن قصّر؟ من تجاهل التحذيرات؟ ومن صمت حتى تحوّل الإهمال إلى موت؟
دولة الرئيس، إن محاولة معالجة القضية بإجراءات إدارية فقط ترسل رسالة خطيرة للرأي العام، مفادها أن الأرواح يمكن احتواؤها، وأن الدم يمكن تهدئته، وأن المسؤولية يمكن ترحيلها بالتقاعد.
الدولة القوية لا تُدار بتسكين الغضب، بل بمواجهة الحقيقة. ولا تحمي مؤسساتها بالتغطية على الخطأ، بل بمحاسبة المقصّر أياً كان موقعه.
إن العدالة لا تعني البحث عن كبش فداء، بل تعني إحقاق الحق، وصون كرامة الضحايا، وحماية المجتمع من تكرار المأساة. فالسكوت بعد الموت جريمة، وإغلاق الملف دون قضاء تقصير، وتجاهل الحق العام إضعاف لهيبة الدولة قبل أن يكون ظلماً للضحايا.