ضيغمٌ من ضياغم بني حميدة، وفارسٌ على أسوار القدس**
في حضرة الرجال تُطأطأ الحروف هاماتها، وفي حضرة رجلٍ كهذا يضيق البيان خجلاً.
أكتب عن قلبٍ لا يعرف الوهن، وعن نفسٍ صافية كسحابة ممطرة، وعن معدن أصيل ورث الزعامة خُلقًا، والشمم طبعًا، والتعفف نهجًا.
أكتب عن المقدم حمود مسلم النوري – أبو قاعود، أحد ضياغم كتيبة الحسين الآلية الثانية "أم الشهداء"، تلك الكتيبة التي سطّرت ملاحم البطولة على أسوار القدس عام 1967، وأعلنت للعالم أن على هذه الأرض من يستحق الحياة.
هناك… عند حجارة القدس، كانت رائحة البارود تختلط بنداء الله أكبر، وكانت بوادر الهزيمة تعصف بالنفوس، غير أنّ جيشنا العربي أبى إلا أن يقاتل واقفًا، مؤمنًا، ثابتًا كصخرة لا تهزّها ريح.
قاتل الجنود مقبلين لا مدبرين، بقلوب تعرف أن الموت لأجل القدس حياة، وأن الشهادة جسر العبور نحو الخلود.
على دماء أولئك الأبطال، تقدّم العدوُّ بقواته المجحفلة، معترفًا أن صمود الأردنيين كان أعند من الحديد، وأبقى من النار.
المعركة التي لا تُنسى… حين اشتبك الفارس مع المظلي الإسرائيلي
في شوارع القدس… كان القتال قتال شوارع.
عزز العدو قواته بلواءٍ كامل من المظليين.
وكان أبو قاعود في خندقه، فارسًا يصدّ الهجوم، حين هبط عليه مظلي ضخم البنية، فاشتعلت بينهما معركةٌ بالأيدي، معركة لا يسمع فيها إلا دوي القذائف وصيحات الجنود:
"أخو فايزة… أخو فايزة… اطرحه يا أبو قاعود!"
تعاركا حتى تمكن فارسنا من طرح الضابط المظلي أرضًا وتثبيته، ثم سحب مسدسه وأطلق رصاصة البطولة في رأسه… فسقط العدوُّ قتيلًا، وبقي أبو قاعود واقفًا كجبل من جبال مؤاب، يذود عن القدس وعن رفاقه وعن شرف الجيش العربي.
تحية إلى شيخٍ جليل… وقامة وطنية
شيخنا الجليل، أبو فارس…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كيف للكلمات أن تفيكم حقكم؟
إن مقامكم أعلى من كل وصف، وقدركم أكبر من أن يحيط به قلم.
ولكنها شهادة الحق، وواجب الوفاء، ووقفة تقدير لرجلٍ عاش بطلاً، وظلّ عنوانًا للشهامة الأردنية التي لا تلين.
نسأل الله العظيم أن يمدّ في عمركم، ويبارك في صحتكم، ويجعل أيامكم كلها نورًا وسرورًا.
وأن يمنحكم ومن قرأ هذه السطور سعادة تمحو الهم، ويقينًا يرفع الروح، وصحة تعافي الأبدان.