طفلة فلسطينية من قطاع غزة، في البرد وتحت المطر، تجلس فوق أنقاض منزل أهلها، ترفض المغادرة، تنتظر إخراج عائلتها من تحت الأنقاض، تتوهّم أنهم يمكن أن يكونوا أحياء، حيث شاءت الصدف، أو شاء القدر أن لا تكون مع عائلتها حينما تعرّض منزلهم للقصف والدمار. أي قسوة هذه، وأي استقبال لإنسان لديه الحد الأدنى من المشاعر والأحاسيس والتعاطف، وهو يشاهدها أو يسمعها؟؟ أي قسوة هذه لدى قادة العالم الرأسمالي المتحضّر، وهم يشاهدون جرائم المستعمرة الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين؟؟ وأي صمت هذا لدى قادة أوروبا وأميركا؟؟ أي ادّعاء هذا من قبلهم وهم يتحدثون عن أهمية الأمن والسلام والاستقرار، وهم يشاهدون ما تفعله صنيعتهم المستعمرة من جرائم وقتل وتدمير؟؟ وأي جيل هذا سيكون عليه أطفال فلسطين خلال السنوات المقبلة؟؟ وأي سلام وأي تعايش يمكن أن يقبل به الفلسطيني مع الإسرائيليين؟؟ ما تفعله المستعمرة ومؤسساتها وجيشها وأجهزتها يستهدف جعل الأرض الفلسطينية لا تصلح للحياة، غير قابلة للعيش، لا يتوفر لهم ما يستحقون كبشر، وتعمل على دفعهم نحو الرحيل والتشرد، وعمليًا تفعل كما حصل وفُعِل عام 1948، بطرد وتشريد وتهجير أغلبية أهالي اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبيسان وبئر السبع، إلى مخيمات اللجوء في لبنان وسوريا والأردن، ويُطلقون عليها مخيمات العودة، لأنهم يعيشون على أمل عودتهم إلى المدن والقرى التي سبق وطُردوا منها، قبل أكثر من سبعة وخمسين عامًا. تستمر اعتداءات المستعمرة وتطاولها على سيادتي لبنان وسوريا، واحتلال أجزاء من أراضيهما، والتغوّل على كامل خارطة فلسطين واحتلالها، ولا يمكن تفسيره إلا بمحاولات المستعمرة الهيمنة والسيطرة على أوسع مساحة من الشرق العربي، وإفقاد شعوب هذه البلدان العربية تطلعاتها نحو الحرية والاستقلال والكرامة، وتيئيسهم من أمل استعادة أراضيهم المحتلة من لبنان وسوريا وفلسطين. المستعمرة تتبجّح بأنها تقول: أبلغت القيادة الأميركية بهجماتها المسبقة، التي تستهدف قيادات فلسطينية في قطاع غزة، ومخيماتها في لبنان، مما أدى إلى ارتقاء عشرات الشهداء، وإصابة أضعافهم من اللبنانيين والفلسطينيين. ويتفاخر الرئيس الأميركي بأنه حقق «السلام» غير المسبوق في قطاع غزة، وسيعمل على تشكيل «مجلس السلام» برئاسته، في أعقاب إنجازاته «المذهلة»، وها هو مجلس الأمن يُقر ويُرحّب ويُشرعن خطته لوقف إطلاق النار، وأن نتائجها ستتجاوز قطاع غزة، وهي فعلًا تتجاوز قطاع غزة بالقصف والاغتيال والتدمير إلى لبنان، والمسّ بالسيادة السورية، والتمدد الاحتلالي في الأراضي السورية، بإشراف ومتابعة وتخطيط من قبل نتنياهو صديق ترامب، الذي سعى لشطب محاكمته بقضايا الفساد، ومحاولات عدم تشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية تحول دون تقديمه للمحاكمة على أثر وخلفية «التقصير» بسبب عملية 7 أكتوبر وتداعياتها، وفشله المسبق في معرفة استعداداتها، حيث شكّلت مفاجأة للجيش وللأجهزة، ووجّهت صدمة للمجتمع الإسرائيلي، وفشله في معالجة تداعياتها. جرائم المستعمرة فاقت ما هو متوقع، وما هو مقبول، فالمفهوم أن الحرب تقع بين الأعداء ويدفع ثمنها القوات المقاتلة من الطرفين، ولكن المستعمرة بقدراتها المتفوقة تستهدف المدنيين وتقليص وجودهم على أرض وطنهم فلسطين، بعد أن فشلت استراتيجيًا بطرد وتشريد كل الشعب الفلسطيني، إذ بقي أكثر من سبعة ملايين عربي فلسطيني على كامل أرضهم ووطنهم، فلسطين.