هل سيأتي حين من الدهر، لا نذكر فيه خبر مشاجرة جامعية، ونراها لا تستحق مقالاً أو تحليلاً عابراً؟ ليس لأنها غير مؤلمة، ولا تضرب في نخاع العظم، بل كونها تفاقمت وشاعت، حتى باتت عادية ومملة. نسمع أن فتائل اشتعال بهعص تلك المشاجرات تتخلص في جريمة أن فلان جحرني، أي نظر إلي نظرة حادة، أو أنه طل على بنت ابن ابن عم زوج خالتي، أو أن أولاد عمه تحركشوا بابن جارتنا في مجمع الباصات. ثم يتم التجييش على نظام الفزعة الخاص بنا، المبني على مبدأ أن تهاوش وتقاتل وتكسر رأس واحد من الناس لم تره في حياتك، ودون أن تعرف سبب الطوشة وجذرها. المشكلة ليست في ما سبق فقط أو أن ابن عمك أسقط يافطة انتخاب ابن عمي، عن عمود الكهرباء، ولا أن أخاك نزل للانتخابات (جكارة) بنا. بل تكمن المشكلة في العقل المدجج بثقافة تحمل جرثومة التعصب القبلي والجهوي والمناطقي والإقليمي. ثقافة لم يغيرها الهاتف الذكي الذي لا يفارقنا، ولم يغيرها أننا نجوب العالم وفضاءاته على الانترنت، دون أن ننظف رؤوسنا من ضحالة تلك الأشياء. حين اتناول هذه القضية الحساسة، فأنا لا أعمم، ولا أخلط الحابل بالنابل، بل هناك من الشباب الجامعي، الذين نفاخر الدنيا بدماثة أخلاقهم وتفوقهم وحبهم لجامعتهم ودراستهم ولزملائهم ولبلدهم، ولكننا نضطر أن نكتب في هذه الموضوعات المخجلة؛ كي نبرز القضية للقائمين على أمر جامعاتنا، فينبروا لمعالجة هذا المرض من جرثومته الأولى، فقد تعبنا من غباء العرض دون المرض. متى ندرك أن الجامعة ليست كتاباً، ومحاضرات وامتحانات فقط، وليست عد أيام ودفع أقساط، ولا عرض أزياء وهواتف نقالة. الجامعة حياة متكاملة بذاتها وكيانها ووجدانها، وأرى أن مدخلنا لمعالجة هذه الآفة التي تأبى أن تخنس، يكمن في الارتقاء بعقلية طلابنا، عن طريق المسرح والموسيقى والفن والرياضة والمطالعة والسينما، وسائر النشاطات التي نسميها جزافاً بالنشاطات اللامنهجية، بالطبع دون أن نفرط بالجانب الأكاديمي. الطالب الجامعي الذي يشعر بأنه ممتلئ ومكتنز بجواهر الأشياء وثمينها كصندوق اللؤلؤ، لن يكون في نفسه متسع لسفاسف الأمور وصغيرها وحقيرها، أما صندوق التراب فلن يتسع لا للجواهر ولا للآليء، بل سيمتص خبائث الأمور، وسيبقى في رأسه فقط أن يتاجر مع زميله لأتفه الأسباب.