«المهرجانات» دعمٌ للاقتصاد.. وقوةُ الاقتصاد دعمٌ لقضايا الأمة

من المعروف غالبًا أنّ المهرجانات ليست هدفًا في حدّ ذاتها، وإنّما هي وسيلة من وسائل تنشيط العديد من القطاعات الاقتصادية، في مقدّمتها:

1 - السياحة: وهذا القطاع رافعة اقتصادية، ومن القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية، والذي يشكّل نحو 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي ذات الوقت فهو القطاع الأكثر تأثّرًا بالظروف الجيوسياسية، وكان - ولا زال - الأكثر تأثرًا بتداعيات العدوان على غزة وبالحرب الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة، وانعكست الآثار السلبية على القطاع السياحي بكافة تفاصيله من فنادق ومطاعم ومرافق سياحية وغير ذلك، وما المهرجانات باختلاف تنوعها (الثقافية والفنية والتراثية والفلكلورية.. وغيرها) إلاّ وسيلة من وسائل تنشيط هذا القطاع وخلق الوظائف.

2 - النقل: وهذا القطاع تأثر كثيرًا - ولا زال - سواء كان نقلًا جويًا (توقف تمامًا في ذروة الحرب بين إسرائيل وإيران) أو برّيًا، حيث تأثر النقل السياحي نتيجة تراجع السياحة.. وما المهرجانات إلاّ وسيلة من وسائل تنشيط هذا القطاع الهام في الاقتصاد الكلّي للأردن.

3 - التجارة: هذا القطاع أيضًا تأثر بالظروف الجيوسياسية المحيطة بنا، خصوصًا في فصل الصيف، حيث السياحة الداخلية والخارجية، وتحديدًا زوّار المملكة من الدول المجاورة، وندرك تمامًا مدى ارتباط القطاع السياحي بالتجاري بمختلف قطاعاته المتعددة.

المهرجانات (وأكرّر) بأنّ المشار إليه هنا يتعلق بمهرجانات تطال كافة المحافظات، ومنها مهرجانات زراعية تجلب السياحة الداخلية والخارجية، ومهرجانات بيئية.. وكلّها وسائل لتنشيط الحركة الاقتصادية، وتنمية المحافظات تحديدًا.

هذا من حيث الجانب المتعلق بالبعد الاقتصادي المباشر، أمّا من حيث الأبعاد الأخرى وتحديدًا الاقتصادية / السياسية فيجب أن ندرك ما يلي:

1 - على مدى التاريخ واجه الأردن تحديات، كان في مقدمة مسبباتها موقعه الجغرافي، فتأثر الأردن كثيرًا ولا زال «سلبًا» بالحروب الدائرة من حوله - وما أكثرها - وفي مقدمة ما يتأثر به الأردن، العدوان الإسرائيلي المستمر على الأهل في فلسطين عمومًا، وغزة تحديدًا منذ 7 أكتوبر 2023.. وأبرز انعكاسات الأزمات السياسية من حوله تكون على الاقتصاد بالدرجة الأولى، ونذكر هنا فقط - على سبيل المثال لا الحصر - تأثره بالهجرات المتتالية جرّاء حروب (الخليج + ليبيا + اليمن + سوريا.. / ولا زال الاقتصاد الأردني يعاني من تبعات اللجوء السوري على الاقتصاد من (عجز الموازنة + ارتفاع المديونية + تفاقم البطالة).

2 - رغم كل تلك الهجرات، ورغم التحديات الاقتصادية التي تعرّض لها الأردن ولا زال نتيجة مواقفه الوطنية والعروبية والإقليمية، وموقفه تحديدًا من القضية الفلسطينية، ليس بدءًا من ضغوطات «صفقة القرن» وليس انتهاءً بوقف المساعدات الأمريكية ورفع الجمارك على الصادرات.. رغم كل تلك الضغوطات كانت ولا زالت وستبقى مواقف الأردن ثابتة، يؤكدها قائد مسيرتها جلالة الملك عبدالله الثاني بكل وضوح وشفافية، ومن على جميع المنابر الدولية بلاءات بات القاصي والداني يحفظها عن ظهر قلب (لا للتهجير / لا للتوطين / لا للوطن البديل)، وأكثر من ذلك فإنّ (بوصلة الأردن هي فلسطين وتاجها القدس الشريف).

3 - لا أحد يزاود على مواقف الأردن تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه الأشقاء السوريين الذين استضافهم منذ العام 2011 في الوقت الذي تخلّى المجتمع الدولي عن واجباته تجاه هذه القضية، التي لم تتحمّلها قارة بحجم أوروبا ودولها الصناعية الكبرى، وتحمّلها الأردن، نخوةً وشهامةً وإنسانيةً وجيرةً، مهما كان الثمن الاقتصادي.

4 - اقتصاديًا وسياسيًا.. لن تستطيع دولة أن تواجه التحديات والضغوطات إن لم يكن اقتصادها صلبًا يزيد من صلابة موقفها ومنعته، لذلك فقوة الاقتصاد الأردني قوة لمواقف المملكة في وجه الضغوطات الاقتصادية وقوة تشدّ من أزر مواقفها الرافضة للانحناء أمام كل العواصف، فالأردني لا يحني جبهته إلاّ لخالقه، لذلك فلا مناص من تقوية وتدعيم الاقتصاد الوطني في كافة القطاعات، وصولًا إلى الاكتفاء الذاتي.. ولذلك كانت رؤى الإصلاح الملكية الثلاث، وفي مقدّمتها رؤية التحديث الاقتصادي التي تسعى إلى رفع معدلات النمو والوصول إلى رضا المواطن والاستدامة.. وهذه مرتكزات تتطلب النهوض بكافة القطاعات الاقتصادية من أجل خلق وظائف دائمة للمواطنين.

*باختصار: المهرجانات - على جميع أشكالها - ما هي إلاّ وسيلة من وسائل تحريك عجلة الاقتصاد، وتحفيز النمو وخلق الوظائف، وتوجيه رسائل للعالم بأنّ الأردن آمن ومستقر وصلب وقوي في مواجهة الأعاصير والوقوف إلى جانب قضايا الأمة.

- ملاحظة أخيرة لا بدّ من الإشارة إليها، وهي أنّ الأردن - حتى في مهرجاناته الثقافية والفنية والفلكلورية وغيرها - فإنه يوظّف تلك المهرجانات لخدمة قضايا الأمة وإيصال رسائله وسرديّته إلى العالم، من خلال برامج وطنية قومية تحقق الهدف الاقتصادي، ولا تتعارض أبدًا مع مواقفه السياسية الثابتة والواضحة وضوح الشمس في كبد السماء.