السويداء .. والاخوة الاعداء !!

كشفت تطورات الاوضاع في محافظة السويداء السورية ، عددا من ( الزوايا الحرجة ) و ( الارتباطات الضبابية ) و ( التحالفات الساكنة) و ( الفاعلين الجدد ) الامر الذي يستدعي التوقف عندها بالدراسة والتحليل ، بهدف الخروج ( باستنتاجات صحيحة ) و( قراءات عميقة)، تصلح بان تُصنف ( كدروس مُستفادة).

ومن المنطقي ان تُدرس تلك الظواهر من منطلق سياسي - امني - اجتماعي - اقتصادي ، بعيدا عن الانحياز المسبق لطرف على حساب آخر ، وبمعزل عن رواية كل طرف من الاطراف ، الذي تحركه بالضرورة مصالحه ، وتوجهاته التاريخية والحالية والمستقبلية.

ولأن سوريا تتشكل من ( فسيفساء ) من المكونات والاعراق والطوائف ( الكردية والدرزية والعلوية والمسيحية ) مع اغلبية من المسلمين السُنة ، يصبح من الطبيعي ان نجد اختلافا في المصالح والتوجهات والتحالفات التي تخدم كل طرف من الاطراف.

في هذا السياق ، يجب ان نطرح عددا من التساؤلات ، التي قد تقودنا الى تجاوز ( النقاط العمياء ) والوصول الى بعض الاجابات ، التي تمكننا من محاولة ( استشراف ) المستقبل في سوريا الجديدة، وفي الدول الاخرى ذات الظروف المشابهة من حيث عدم الاستقرار مثل ( ليبيا، السودان، اليمن ، لبنان ).

اولا : هل ما جرى في السويداء هو صراع طائفي ( سُني - درزي ) ام صراع سياسي بين ( مكوّن ولا اقول اقلية ) وبين الدولة المركزية؟ ام طموحات ( مليشيا) لا همً لها الا تحقيق مصالحها وتعزيز نفوذها ، حتى لو كان من خلال الاستقواء باسرائيل؟.

ثانيا: في حال تطورت الاوضاع في السويداء ، واستؤنفت المواجهات ، هل ستنتفض باقي المكونات ( الكردية والعلوية ) وتؤازر الدروز من باب ( ان مصلحة الجميع ) تقتضي ذلك؟.

ثالثا : ما هي الاهداف البعيدة للتدخل الخارجي الاسرائيلي ، تحت عنوان حماية الدروز ، وهل من الممكن ان يصل الى حد ( تدويل ) الازمة ؟.

رابعا: هل سيتكرر هذا التدخل الاسرائيلي( الذي يسعى الى تكريس واقع سوريا مقسمة وليس موحدة ) لو تدهورت العلاقة بين دمشق والاكراد ممثلين بقوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) في شمال شرق سوريا ، وانتهت بمواجهة مسلحة بين الجانبين؟.

خامسا: ما هو التفسير المنطقي لموقف ( العشائر ) في احداث السويداء ، هل جاء دفاعا عن مصالحها ( المناطقية ) في المحافظة او ( روابطها الاجتماعية ) في انحاء الجغرافيا السورية ، ام انتصاراً لموقف الدولة في دمشق؟.

سادسا : هل يصبح ( مقاتلو العشائر ) فاعلا رئيسيا في الساحة السورية ، بعد هذه المرحلة؟ وما هو موقف اسرائيل منهم ؟ ام سيتحولون الى ( مليشيا ) جهوية او مناطقية تبحث عن مصالحها في النفوذ ؟ ام ان هذا الموقف هو فعل ( مؤقت ) وسينتهي بانتهاء ازمة السويداء؟.

سابعا : هل يؤسس موقف العشائر هذا الى تحالف وثيق مع السلطة في دمشق ، رغم اختلاف المنطلقات الفكرية ، وخاصة البُعد ( الديني - ذي الخلفية الجهادية)؟

ثامنا : هل سيكون موقف العشائر السورية ، مُلهما لمواقف مماثلة عند العشائر في الدول الاخرى ، ذات الظروف المشابهة ، وهل سيكون ( تأثير ) العشائر و ( تأثرها ) عابرا للحدود ؟.

تاسعا : كانت العشيرة ( مؤسسة اجتماعية ) فاعلة في مرحلة ( ما قبل الدولة ) فهل ستعيد تلك الدول تموضعها لتكون العشائر ( فاعلا سياسيا ) وضامنا لاستقرار الاوطان ، بدلا من ان تكون ( أداة ) تستخدم عند الحاجة؟.

عاشرا : هل ستلجأ بعض الاطراف الاقليمية والدولية الى التعامل مع المكونات العشائرية ( المنظمة ) باعتبارها طرفا يمكن( التعويل ) عليه، ( في حال غياب الدولة الوطنية ) وتجربة حركة طالبان ( المصنفة ارهابية ) مع الولايات المتحدة الامريكية خير شاهد على تلك ( البراغماتية ) الدولية؟.

هذه التساؤلات تقودنا الى السؤال الكبير ( ابو الاسئلة ) لماذا وصلنا الى هذا الحال ، ما هي الاسباب ، وما شكل الحلول؟ والجواب هو ان السبب الرئيسي لكل ما تعاني منه بعض اقطارنا العربية ومن ضمنها سوريا هو حالة ( الفراغ الاستراتيجي ) التي تكونت بعد ثورات الربيع العربي وجلبت معها ( الارهاب والمليشيات والمعاناة)، والتي كان من دوافعها ، نمط الحكم الاستبدادي الفاسد، والفقر والتفاوت الطبقى ، والتدخلات الخارجيه - الاقليمية والدولية، ذات الاهداف السياسية.

ولذلك فان هذه البلدان لن تخرج من هذه الازمات ، الا من خلال اعادة بناء الدولة الوطنية ( دولة المؤسسات ، لا الافراد ) ،واصلاح النظم السياسية ، وتحقيق العدالة الانتقالية المتمثلة ( بمحاسبة المجرمين، وتعويض الضحايا، وتشكيل لجان مصالحة ) وتحقيق العدالة الاقتصادية من خلال ( توزيع عادل للثروات ، وانهاء منظومة الفساد )، واصلاح الدور العربي و الاقليمي والدولي عبر ( وقف دعم الجماعات المتصارعة، والقيام بوساطة غير منحازة ، وايجاد اجماع عربي جديد لحماية الدولة الوطنية).

والخلاصة التي يمكن الوصول اليها ، هي ان الازمات في هذه الدول جاءت بسبب الانظمة السياسية المأزومة ، والنُخب المأجورة ، والتدخلات الخارجية غير البريئة ، وحلها لن يكون الا بوجود قرار وطني مستقل ، وإرادة شعبية واعية ، ودعم عربي حقيقي بعيد عن الانتهازية، وعدالة اجتماعية ، وطمأنة جميع ( المكوًنات ) في الدولة واحترام خصوصيتها بِنصوص دستورية، وعدم الارتهان للخارج .