اداء متواضع لقطاع السياحة،، إلى متى ؟!



د. ضيف الله الحديثات 
رغم التوجيهات الملكية المتكررة والدعم الكبير الذي يوليه جلالة الملك لقطاع السياحة، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى أداء متواضع في النهوض بهذا القطاع الحيوي، الذي يُفترض أن يكون رافعة للاقتصاد الوطني ومصدرًا رئيسيًا للعملات الأجنبية وتوفير فرص العمل.

حديث جلالة الملك في أكثر من مناسبة أكّد أهمية السياحة كأحد أعمدة الاقتصاد الأردني، كما وجه الحكومات المتعاقبة لوضع الخطط والبرامج اللازمة لدعم هذا القطاع، وتهيئة البنية التحتية، وتحسين الخدمات، وترويج الأردن كوجهة عالمية متميزة تجمع بين التاريخ والطبيعة والثقافة. ومع ذلك، فإن الأداء لا يزال لا يرقى إلى مستوى التطلعات الملكية، ولا يتناسب مع الإمكانات المتوفرة.

ويكمن الخلل في غياب الرؤية الواضحة والاستراتيجية المستدامة عند الحكومات، حيث تحولت الجهود إلى مبادرات موسمية وردود فعل آنية، بدلاً من أن تكون خطة وطنية متكاملة قائمة على دراسة الأسواق، وتحديد الأولويات، واستهداف السياح من دول محددة. كما أن التسويق السياحي لا يزال ضعيفًا وعشوائيًا، يفتقر إلى الابتكار والتجديد، ولا يعكس الصورة الحقيقية لجمال الأردن وتنوعه.

ولا يمكن إنكار أن الظروف الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة تلعب دورا في تراجع أعداد السياح، لكن من اللافت أن هناك دولا مجاورة تتشابه معنا في التحديات الإقليمية استطاعت أن تتعايش ووتجاوز هذه العقبات، ونجحت في الترويج لنفسها كوجهات سياحية متقدمة، ما يعكس أن المشكلة لا تكمن فقط في الظروف، بل في كيفية إدارة القطاع وتوجيه موارده بشكل فاعل ومدروس .

ويُضاف إلى ذلك ضعف البنية التحتية والخدمات السياحية في العديد من المواقع، بدءًا من النظافة، مرورًا بالأسعار غير المنضبطة، وغياب مراكز المعلومات السياحية، وصولًا إلى تعامل بعض العاملين بالسياحة مع الزوار، مما يترك انطباعًا سلبيًا لدى السياح ويؤثر على فرص العودة أو التوصية بزيارة الأردن.

أما الروتين والبيروقراطية، فهما عائقان دائمًا أمام المستثمرين المحليين والأجانب في القطاع السياحي، ما أدى إلى هروب رؤوس الأموال أو تجميدها، في وقت يحتاج فيه هذا القطاع إلى استثمارات جريئة في الفنادق، والنقل، والخدمات، والمنتجعات.

ومن الأسباب التي لا نلتفت لها أحيانًا، بقاء بعض المسؤولين في مواقعهم في القطاع السياحي منذ أكثر من عقد من الزمن، دون أن يقدموا تجديدًا أو تطورًا ملموسًا. لذا، أصبح لزامًا على أصحاب القرار تغييرهم، ففي التغيير تجديد للأفكار وأساليب الإدارة، وضخ دماء جديدة، ومنح الفرصة لمن يستطيع حمل المسؤولية بإخلاص وكفاءة.

والأهم من ذلك كله، غياب المساءلة والمحاسبة. فكم من مسؤول استلم ملف السياحة وكان أداؤه متواضعًا دون أن يُحاسب؟ وكم من فرصة ضاعت بسبب ضعف الأداء وتكلّس الأفكار؟ إن وجود إرادة ملكية لا يكفي وحده لتطوير السياحة، ما لم تُترجم إلى خطط حقيقية وإرادة تنفيذية على مستوى المؤسسات المعنية.

إن الأردن يمتلك كنوزًا سياحية لا تقدر بثمن: البترا، البحر الميت، وادي رم، جرش، مادبا، العقبة، عجلون وغيرها الكثير، لكن من المؤلم أن تبقى هذه المواقع خارج دائرة المنافسة الإقليمية والدولية، في وقت تحقق فيه دول أخرى عائدات بمليارات الدولارات من مواقع أقل شأنًا.

استمرار الأداء المتواضع في قطاع السياحة ليس فقط خسارة اقتصادية، بل هو تقصير بحق الوطن ومقدراته. المطلوب اليوم مراجعة شاملة وجذرية، تبدأ من إعادة هيكلة المؤسسات السياحية، وتحفيز الاستثمار، وضبط الأداء، وتقديم خطة وطنية قابلة للتنفيذ... والأهم: أن تتم محاسبة المقصرين، وتغيير من طال مكوثهم دون إنجاز .