أعلنت الحكومة قرارها الجريء بحلّ المجالس البلدية والمجالس المحلية والمجالس المركزية، إلى جانب مجلس أمانة عمّان الكبرى. هذه ليست مجرّد خطوة إدارية روتينية، بل ضربة إصلاحية حاسمة، تمثل نقطة تحول فارقة في مسار الإدارة المحلية، وتأكيد واضح أن الدولة عازمة على تنظيف البيت الداخلي، وتجفيف منابع الفساد.
القرار، الذي اتخذ بإرادة سياسية صلبة من رئيس الوزراء، يجسّد شجاعة لا يملكها إلا رجال دولة حقيقيون. رئيس الوزراء أثبت مرة أخرى أنه رجل "نشمي" لا يتردد في اتخاذ قرارات موجعة، لكنها ضرورية، عندما انحرفت بعض مؤسسات الحكم المحلي عن مسارها.
ولم يكن القرار عبثيًا أو مفاجئًا؛ فقد سبقه الكشف عن ملفات فساد ضخمة في عدد من البلديات، شملت تجاوزات مالية، وتعيينات مشبوهة، وتضخم إداري، وغياب للرقابة، وسوء في إدارة الموارد، الأمر الذي شكّل صدمة للرأي العام، وزعزع ثقة المواطن بهذه المؤسسات. كان لا بد من وقفة صارمة، تعيد هيبة الدولة، وتبعث برسالة لا تحتمل التأويل: لا حصانة للفاسدين.
وزير الإدارة المحلية، بدوره، أثبت أنه أهل للمسؤولية، حين تعامل مع هذا الملف بشفافية ووضوح، واضعًا المصلحة العامة فوق كل حسابات ضيقة. لم يجامل، ولم يساوم، بل دعم القرار بكل قوة، وأظهر وجهًا اداريًا جديدا يليق بمرحلة تصحيح المسار.
اليوم، ونحن أمام هذا التحرك الجريء، نأمل أن يكون بداية لمرحلة إصلاحية شاملة، لا تقتصر على الهياكل، بل تمتد إلى الفكر والممارسة، وتعيد تعريف مفهوم العمل البلدي باعتباره خدمة وطن لا مصلحة شخصية.
الكرة الآن في ملعب الحكومة لتحسن اختيار الكفاءات القادمة، وتضع معايير صارمة للرقابة والمساءلة، وتضمن أن تكون الانتخابات المقبلة نقلة نوعية لا تكرارًا لخيبات الماضي.
الشعب الأردني، الذي ضاق ذرعا بالتراخي والفساد، يستحق بلديات تدار بنزاهة، ومجالس تُنتخب بكفاءة، وخدمات تقدّم بكرامة. وما قامت به الحكومة اليوم ليس نهاية المطاف، بل بداية لعهد جديد، نأمل أن يكون عنوانه: هيبة الدولة، وعدالة الخدمة، وكرامة المواطن.