د. محمد الهواوشة يكتب: اختراعات نواف سليمان الجداية تصل القارات... والأردن غافل



كيف لرجلٍ في السبعين أن يفكر بطريقة شاب في العشرين؟
وكيف لعقلٍ أن يبقى مشتعلاً، لا تُطفئه سنوات العمر، ولا تُرهقه الغربة؟
إنه نواف سليمان الجداية... الاسم الذي يستحق أن يُكتب بحروف من نور.

ابن قرية صما العريقة في محافظة إربد، لم يرضَ أن يكون مجرد رقم في سجل الحياة، بل قرر أن يكون رقما صعبا في عالم الابتكار. عاش في النمسا، لكنه لم يتخلَّ لحظة عن هويته الأردنية. وهناك، بعيدا عن أعين المسؤولين، صنع ما عجزت عنه المؤسسات: اخترع جهازا يكيّف مدينة كاملة، ويحل أزمات المياه والطاقة في وقتٍ واحد!

*رجل... يشبه المستقبل*

حين التقيته في فيينا، لم ألتقِ فقط بمخترعٍ عالمي، بل بإنسانٍ استثنائي.
استقبلني كما يستقبل الأهل أحبابهم، زارني كل يوم، رافقني في كل زاوية من زوايا المدينة، وكأنه يعرّفني على وطنه الثاني بحبٍ لا يوصف.

ثم، عندما تعذّر عليّ السفر من النمسا، لم يُلقِ اللوم أو يعتذر، بل قال ببساطة:
"سافر من هنغاريا… بودابست ليست ببعيدة."
سافرنا معا، نتناوب القيادة لمسافة 240 كم، دون كلل، دون ملل… فقد تحدثنا كثيرا .

*اختراعات لا تُصدّق… لكنها حقيقية!*

ليس في الأمر مبالغة. هذا الرجل اخترع:

جهازا يبرّد مدينة بأكملها دون ضرر على البيئة، وبتكلفة تشغيل منخفضة جدًا.

تقنية لتحلية المياه بطريقة مبتكرة وموفرة.

آلية لتوليد الطاقة من الهواء والرطوبة.

توربينات صديقة للبيئة أكثر كفاءة من نظيراتها.

منظومات متكاملة تُعالج مشاكل المدن في الحرارة والمياه والطاقة... في جهاز واحد!


وكل هذا، لم يبقَ حبرا على ورق. بل سجّل براءات اختراع، ونُفذ عمليا في الإمارات، وقطر، والعراق، والنمسا، وحتى الولايات المتحدة.


 *تم ترشيح اختراعاته سابقا لجائزة نوبل… لكنه لم يهتم!*

نعم، في وقتٍ يركض فيه البعض خلف الجوائز، رُشّح نواف الجداية رسميا لجائزة نوبل عن مجموعة من ابتكاراته في الطاقة والبيئة، لكن المفاجأة كانت:
لم يهتم!
فهو لا يرى في الجوائز غاية، بل يرى أن "أعظم جائزة هي أن تترك شيئا ينفع الناس".
هذا التواضع، وهذه الفلسفة، وحدها تكشف حجم هذا الرجل.


*مقال نُشر عنه… وصمت رسمي يطول*

نشرت إحدى الصحف الأردنية تقريرا مُفصلاً عن ابتكاره الذي يمكنه تكييف مدينة بالكامل، وأبرزت فيه مدى أهمية المشروع من حيث الطاقة والبيئة والمياه. ومع ذلك، لم يُكرَّم، لم يُدعَ لمحاضرة، ولم تُفرد له وزارة الابتكار أو التعليم العالي لحظة تفكير جاد.

وهنا السؤال المؤلم:
*كم من نوافٍ أردني يعيش في الظل؟ وكم من عقلٍ مهاجر يحتاج فقط ليدٍ تمتد نحوه؟*


*هذا ليس مجرد اختراع… بل فرصة مهدرة*

نواف الجداية لا يبحث عن شهرة، ولا يركض وراء تكريم.
لكنه يستحق – وبكل جدارة – أن يُعرّف به طلاب الجامعات، ويُعرض مشروعه في المؤتمرات، ويُكتب عنه في المناهج كنموذج للعقل الأردني الخلاق.
هذا الرجل لا يتقاعد، ولا يتراجع، ولا يتوقف.
*فلماذا يتوقف الوطن عن احتضانه؟*


*رسالة مفتوحة*
إلى كل مسؤول، إلى كل جامعة، إلى كل مؤسسة تبحث عن الحلول وتجاهلت أصحابها:
نواف الجداية بين أيديكم... فلا تنتظروا أن يحتضنه الآخرون ويُسجلوا ابتكاراته بأسمائهم.
فالرجل موجود، والاختراعات مسجلة، والفرصة ما زالت قائمة... لكنها لن تنتظر طويلاً.