اتفاق الهدنة.. امتيازات للجلاد وقيود للضحية

عندما يتخذ الرئيس الأميركي قرارًا، فإننا نلتزم به، سواء أردنا أم لا – شارون.
منذ اليوم الأول للمجزرة الجارية في غزة، أكدنا أن قرار وقفها مرهون بالقرار الامريكي. وقد قدمنا شواهد تاريخية تبرهن على مدى تحكم القرار الأميركي في مسار السياسة الصهيونية. وها هو الرئيس ترامب يؤكد ذلك مجددًا، حين أصدر أمرًا لطيران جيش الاحتلال – وهو في طريقه لقصف إيران عقب وقف إطلاق النار – بالعودة إلى قواعده، وقد نُفِّذ الأمر فورًا.
رأى ترامب أن الوقت قد حان لإعلان هدنة جديدة تمهّد لوقف دائم لإطلاق النار، فأعرب الأسبوع الماضي عن استيائه من الكيان، واستدعى وزير الاحتلال للشؤون الاستراتيجية، ديرمر، إلى واشنطن، حيث عرض عليه مقترح مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط المُعدّل، ويتكوف، لتُعلن فورًا القيادات السياسية في الكيان موافقتها على الخطة. كل ذلك كان يحدث بينما كان مجرم الحرب نتن ياهو يصرّح بأن لا وقف للمجزرة إلا بالقضاء على حماس، وبأن غزة يجب ألا تُشكّل خطرًا مستقبليًا على الكيان.
تُشير التسريبات إلى ملامح رئيسية في خطة ويتكوف، من بينها: وقفٌ لإطلاق النار لمدة ستين يومًا، تُفرِج خلاله حماس، عند إعلان الهدنة، عن نصف عدد المحتجزين لديها، والبالغ نحو خمسين محتجزًا، يُعتقَد أن نصفهم فقط على قيد الحياة، مع منح المفاوضين خلال هذه الفترة فرصة للتوصل إلى صيغة لوقفٍ دائم لإطلاق النار بعد انقضاء المهلة.
وفي حال الإعلان عن وقف دائم، تُفرج حماس عن النصف الآخر من المحتجزين، بينما يُفرج الكيان عن نحو 125 أسيرًا فلسطينيًا.
وتتضمن الخطة انسحابًا تدريجيًا لجيش الاحتلال من بعض مناطق غزة، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، إلى جانب ترحيل قادة حماس إلى المنفى، وفتح باب الهجرة الطوعية لأهالي غزة، مع استعداد عدد من الدول لاستقبالهم. كما تنص على أن تتولى إدارة غزة بعد الحرب، في مرحلتها الأولى، لجنة مكوّنة من أربع دول عربية، تم الكشف عن اثنتين منها فقط حتى الآن، هما مصر والإمارات الشقيقتان، إلى جانب الولايات المتحدة. ويتضمن الاتفاق أيضًا اعتراف دول عربية وإسلامية أخرى، بالكيان الصهيوني. أما مكافأة نتن ياهو وزمرته، فتتمثل بمنحه سيادة محدودة على أجزاء من الضفة الغربية، مقابل وعود بدعمه لحل الدولتين، وإجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية.
بدأ  نتن ياهو الترويج لهذا المقترح داخل ائتلافه الحاكم باعتباره إنجازًا، مستندًا إلى ما يصفه بحصول الكيان على أجزاء من الضفة، والانتصار – المزعوم – على إيران، فضلًا عن ضغوط الجيش على الساسة، إذ يؤكد أن الجيش قد حقق أهداف الحرب، ولم يعد قادرًا على تحقيق المزيد.
وكانت حماس قد وافقت سابقًا على خروج قياداتها إلى المنفى وتسليم سلاحها إلى السلطة الفلسطينية. ورغم أجواء التفاؤل السائدة، إلا أن الطريق لا يخلو من عقبات جدية؛ أبرزها رفض حماس لضم أجزاء من الضفة الغربية إلى الكيان، وإصرارها على انسحاب كامل لجيش الاحتلال من غزة، مع تقديم ضمانات بأن الهدنة المؤقتة ستُفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار. كما يبدو من الصعب تشكيل لجنة عربية تتولى إدارة القطاع وتوافق على تهجير سكانه، لا سيّما بعد المجازر الوحشية التي ارتُكبت. أما مسألة انتزاع اعتراف من المملكة العربية السعودية، فتبقى شديدة التعقيد، في ظل تمسكها المعلن بحل الدولتين كشرط مسبق. وهذا كله يتقاطع مع رفض شعبي عربي واسع للتطبيع، تؤكده الدراسة الأخيرة لمعهد الباروميتر العربي، والتي أظهرت أن 97% من الأردنيين يرفضون التطبيع الشعبي مع الكيان، إلى جانب 88% في لبنان، و86% في العراق، و87% في المغرب.
وفي إطار مساعيه لمكافأة نتن ياهو، حاول ترامب الضغط على الكيان لوقف محاكمته، ملوّحًا بورقة المساعدات الأميركية، إلا أن نجاح هذا المسار لا يزال غير مؤكد حتى الآن.
أمر ترامب، فنفذ نتن ياهو. ويؤكد بشار بحبح، مبعوث ترامب إلى حماس، وهو أميركي من أصل فلسطيني، أنه تم التوصل إلى نحو 85% من بنود الاتفاق، في حين لا تزال حماس تدرس المقترح. ولهذا نشهد تصعيدًا في الضغوط العسكرية والإنسانية على غزة بهدف انتزاع الموافقة، في مقابل صمود بطولي تقوده حماس. فكلا الطرفين يضغط لتحقيق انتصار دبلوماسي.