كأنّ الفواتير صار لها جواز سفر دبلوماسي: بتفوت البيت بدون تفتيش، وبتطبع ختم «مطلوب فوراً» على جبينك قبل ما تقول «صباح الخير». فاتورة الكهرباء طالعة تتدلّل مثل سفير فوق العادة، وفاتورة الميّ وراها تقول: «أنا الشقيقة الكبرى»، لازم تعدّ أصوات مصروفك قبل ما تغمض عيونك! وفي زاوية السفرة، المنسف واقف بكل كبريائه. طبقنا الوطني الرسمي غير المُعلَن. نغمس اللقمة بالجميد ونقول: «اللهمّ كُن مع صاحب الدَّين». الكسل؟ يا سلام! مؤسَّسة لها شعار: «ريح راسك الدنيا لِسّا بخير». نتقن فنّ تأجيل الخطوة الأولى حتى يتحوّل يوم الأحد إلى «أحدٍ ما» في المستقبل الغامض. نكتب على دفتر النوايا: «سأبدأ الحمية بعد العيد»، «سأقرأ كتاباً عندما يبرد الجو»، «سأتعلّم لغة جديدة لما تصير الإنترنت مجّاناً». أما الأحلام المؤجَّلة فصارت وزارة كاملة تُصدر قرارات تأجيل بالمذكرة الرسمية: شراء بيت مؤجَّل (وهو على نار هادئة من عشرين سنة). فتح مشروع خاص مؤجَّل إلى حين هبوط سعر الضريبة إلى مستوى رحيم (أي مستوى خيالي). الهجرةمؤجَّلة ريثما تظهر وظيفة تحبّك هنا أو تكرهك هناك. في النهاية، يا أصدقائي وصديقاتي، يبقى المواطن بارعاً في جمع التناقضات: يدفع الفواتير مُكرهاً، يلتهم المنسف مُبتسماً، يتكاسل وهو يخطّط للغد، ويحلم وهو يعلم أنّ الغد قد يؤجَّل إلى إشعارٍ آخر. ومع ذلك، يظلّ يؤمن أنّ «اللـه بيفرجها» ولو بعد حين وبرأيي هذه أعظم مؤامرة إيجابية نمارسها ضد الواقع! دمتَ ودام المنسف، ونسأل الله الفَرَج قبل تاريخ استحقاق الفاتورة القادمة.