ضربة "فوردو" المحتملة .. واشنطن تفكر وطهران تتوعد وعمّان تحسب العواقب

تتصاعد وتيرة الحرب الإيرانية - الإسرائيلية في يومها السابع، وكذلك التوترات الإقليمية، مع تقارير تشير إلى استعداد واشنطن لاحتمال توجيه ضربة لإيران خلال الأيام المقبلة، وفق ما نقلت "بلومبرغ نيوز اليوم الخميس، تستهدف منشأة "فوردو" النووية وهي من أكثر المنشآت تحصينًا في إيران، وتقع داخل جبل قرب مدينة قم، ما يثير تساؤلًا: ماذا لو ضربت أمريكا منشأة فوردو؟

أستاذ القانون التجاري الوزير الاسبق الدكتور طارق الحموري، قال لـ عمون، إن ما نسمعه من تصريحات حتى الآن حول احتمالية ضرب الولايات المتحدة الأمريكية منشأة فوردو، هو جزء من أدوات الحرب النفسية، لكن آلية وحسابات اتخاذ القرار معقّدة وتخضع لعوامل كثيرة.

وبين أنه في ظل الإدارة الحالية، فإن قرار توجيه ضربة من هذا النوع مرتبط بالرئيس الأميركي نفسه، وبشكل أقل بالنصائح التي يتلقاها من مستشاريه، خصوصًا في ظل القوة التي يمتلكها الرئيس الأميركي في الكونغرس ومجلس الشيوخ، حيث يتمتع حاليًا بالأغلبية في كلا المجلسين.

وأضاف أنه في ساعات صباح يوم أمس، كانت احتمالية تدخل الولايات المتحدة عسكريًا ضمن إطار الحرب الدائرة أقلّ بكثير مما أصبحت عليه مساءً؛ فتصريحات الرئيس الأميركي لاحقًا رفعت من منسوب التوقعات، كما أن دوائر قريبة من صنع القرار في أمريكا بدأت تتحدث عن ضربة جدية محتملة، لكن حتى اللحظة، لا أحد يستطيع الجزم بشكل قاطع ما إذا كانت الضربة ستقع فعلًا، أو متى يمكن أن تحدث. فكل الاحتمالات لا تزال مطروحة وبشكل جدي.

وحول الرد الإيراني في حال حدوث الضربة، قال الحموري إن إيران أوضحت أنها سترد عبر استهداف المصالح والقواعد الأميركية في المنطقة، لكن خلف هذه التصريحات العسكرية هناك حسابات سياسية دقيقة في الجانب الإيراني، ومن غير المستبعد أن تستخدم إيران أدواتها لضرب مصالح أميركية، غير أن مثل هذا التصعيد قد يقود المنطقة إلى أزمة إقليمية شاملة.

وتابع: "نتمنى ألا يحدث ذلك، وأن تسود التهدئة، كما دعا جلالة الملك في حديثه امام البرلمان الأوروبي. فالمنطقة لا تحتمل المزيد من التأزيم، بل تحتاج إلى خفض حدة التصعيد".

أما عن تداعيات الضربة على الأردن، أكد الحموري أن الأردن أصبح خبيرًا في إدارة الأزمات، وأن قدرته على التكيّف والتعامل مع الأوضاع الطارئة باتت عالية، مشيرًا إلى أن مطبخ القرار في الأردن يُجري حسابات دقيقة جدًا وكثيرة، ويستعرض مختلف السيناريوهات للعمل على وضع الأدوات اللازمة لحماية المصالح الوطنية، وهناك استعدادية عالية لمواجهة مختلف السيناريوهات.

وشدد على عدم وجود أي احتمال لجرّ الأردن إلى حرب. أما فيما يتعلق بخطر إشعاعي، فإن موضوع حرب نووية في المنطقة غير مطروح بجدية في أي مكان في العالم.

وفيما يخص الأمن الغذائي، أوضح الحموري الذي شغل موقع وزير الصناعة والتجارة والتموين سابقا، أن الأردن يُعد من الدول الأعلى في مؤشرات المخزون الغذائي، وفق تقارير دولية، مشيرًا إلى وجود نظام إنذار مبكر في وزارة الصناعة والتجارة، كما أكد أهمية الثقة بالمؤسسات الرسمية وقدرتها على إدارة مثل هذه الأزمات، لافتًا إلى "وجود أدوات لمراقبة المخزون وتفعيل الخطط عند الحاجة، وقد برهن الأردن جاهزيته وقدرته واستطاعته في التعاطي مع الأزمات المختلفة، وتأمين كل ما يحتاجه المواطن من مخزون غذائي وغيره في عدد كبير من الأزمات التي مررنا بها".

وأشار إلى أن المخاوف الأكبر تتعلق بالجانب الاقتصادي، خاصة على قطاعات مثل السياحة، التي تتأثر فورًا بأي تصعيد إقليمي، وكذلك ما يرتبط بارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، الأمر الذي قد ينعكس على المواطن.

المحلل الاقتصادي حسام عايش قال لـ عمون، إنه وفي حال وقوع ضربة عسكرية أمريكية على منشأة فوردو النووية في إيران، فإن التدخل الأمريكي المباشر في العمليات العسكرية سيقود إلى رد إيراني أوسع وأكثر خطورة، قد يشمل إغلاقًا فعليًا لمضيق هرمز، واستهدافًا لمنصات وحقول نفطية في الخليج وإسرائيل. وهذا سيؤدي إلى أزمة طاقة عالمية كبرى، لن تمس فقط حركة شحن النفط، بل ستؤثر كذلك على حجم المعروض، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

وأوضح ان تقديرات الأسعار تتراوح بين 90 و150 دولارًا للبرميل، وهناك من تحدث، كوزير خارجية العراق، عن وصولها إلى 200 و300 دولار، ما يعني أن أسعار النفط قد ترتفع بنسبة تتراوح من 25% إلى 150%، وهذا سيؤثر مباشرة على أسعار النفط المستورد من قبل الأردن، وبالتالي يؤدي إلى ارتفاع كلف النفط والشحن والتأمين.

ولفت إلى أن الانعكاسات ستكون مرتبطة بمدة الأزمة، ومدى استهداف منشآت الطاقة في المنطقة، فالطاقة، سواء نووية أو نفطية أو غازية، ستكون في قلب هذا الصراع. وفي حال استهداف منشأة فوردو، وهي منشأة نووية، قد نشهد تسربًا إشعاعيًا، كما حدث في تشيرنوبل عام 1986 أو في فوكوشيما باليابان عام 2011، حيث ما زالت أوروبا تعاني من آثاره حتى اليوم. بالتالي، الخطر يتجاوز مجرد أسعار الطاقة، ليشمل احتمالات تلوث إشعاعي.

ونوه إلى أن أسعار الغاز والنفط ارتفعت بالفعل، بنسبة بلغت 13% ثم تراجعت إلى 7–8%، لكنها قابلة للارتفاع مجددًا إذا تصاعدت المواجهات. في حال تدخلت الولايات المتحدة، فإن الأزمة قد تتحول إلى مواجهة وجودية للنظام الإيراني. المضائق المائية مثل هرمز وباب المندب، بالإضافة إلى منشآت مثل مفاعل ديمونة ومنصات الغاز في المتوسط، ستكون أهدافًا محتملة، مما يعني أن أمن الطاقة في المنطقة سيشتعل.

وأكد عايش أن الولايات المتحدة قد تدفع بحاملات طائرات لحماية منشآت الطاقة الخليجية من أي رد إيراني. الأردن يعتمد في استيراده للنفط على السعودية والعراق، وقد يتوقف التوريد منهما بسبب المخاطر. حينها، سيعتمد الأردن على المخزون الاستراتيجي الذي يُفترض أن يكفي لمدة 44–45 يومًا للنفط والغاز، وقرابة شهرين للمشتقات النفطية، إن كانت المخزونات ممتلئة بالكامل.

وتابع: لكن حتى مع هذا، فإن ارتفاع أسعار النفط والغاز سيؤدي إلى أعباء إضافية. فتوقف تصدير الغاز من إسرائيل، كما حصل مؤخرًا، قد يطول في حال تصاعد المعارك، وزارة الطاقة تقدر كلفة ارتفاع أسعار الغاز على الأردن ما بين مليون إلى 1.8 مليون دينار يوميًا، اعتمادًا على مدى الاعتماد على بدائل مثل الوقود الثقيل والديزل. هذا يعني كلفة شهرية تتراوح بين 30 و54 مليون دينار، وسنويًا بين 360 و650 مليون دينار.

وأردف: السوق الأردني، كجزء من السوق العالمي، سيتأثر بالتقلبات، خاصة وأن الأردن يستورد أكثر من 90% من حاجته للطاقة. في حال توقف الإمدادات من الخليج، قد نرى أسعارًا غير مسبوقة تصل إلى 300 دولار للبرميل، مما يشكل خطرًا استراتيجيًا واقتصاديًا بالغًا، ويدفع نحو تضخم مرتفع ورفع أسعار الفائدة، مع كل ما يترتب على ذلك من تبعات على الاقتصاد والاستهلاك والاستثمار.

وأشار إلى أن سلاسل التوريد والشحن ستتأثر أيضًا، بما في ذلك الغذاء والصناعة. الأردن بحاجة دائمة إلى خطط طوارئ، إذ أصبح يواجه أزمات إقليمية كبرى كل بضعة أشهر. لذا، لا يجب أن تكون خطط الطوارئ خيارًا، بل جزءًا من التخطيط اليومي، لضمان الاستقرار الاقتصادي الداخلي وتعويض تراجع العلاقات الاقتصادية الخارجية.

وشدد عياش على أن الحكومة الأردنية ينبغي أن تركز الخطط على الأمن الطاقي، الأمن الغذائي، والأمن الصحي، وأن تتوفر برامج تسمح بالتعامل مع السيناريوهات المفاجئة. هذه الملفات تشكل جوهر الأمن الوطني في ظل الحروب والاضطرابات. لذلك، من الضروري أن تُحوّل الموازنة العامة إلى موازنة طوارئ، وأن يكون لدى الدولة معرفة دقيقة بمخزون الحبوب والمواد الأساسية لدى الحكومة والقطاعين الخاص والأهلي.

وعلى مستوى الطاقة، شدد ايضا على ضرورة تطوير أدوات استجابة للطوارئ، بما يشمل تسريع مشاريع الطاقة المتجددة وتخزينها، وتنويع مصادر الطاقة، وخاصة تطوير الاعتماد على الصخر الزيتي، لتحقيق نوع من الاستدامة في مواجهة ارتفاع الأسعار أو انقطاع الإمدادات، سواء من إسرائيل أو من غيرها.

واختتم: "ما نحتاجه ليس فقط خطط طوارئ، بل خطط استباقية تأخذ بعين الاعتبار المخاطر المحتملة، بناء على قراءة واقعية للمشهد الإقليمي، وتعامل جاد مع كل تنبيه أو مؤشر على أزمة قادمة".