في الأردن رأي منتشر بأن على الحكومة تخفيض الضرائب، لأن من شأن ذلك تحفيز النمو، مما يفي بتعويض تراجع الإيرادات الناجم عن خفض الضريبة، أو حتى تحقيق إيرادات أعلى على المدى الطويل.
الفلسفة الداعمة لهذا الطرح تقوم على أن انخفاض الضريبة يزيد الانفاق والاستثمار مما يدر على الخزينة إيرادات جديدة تساوي أو تفوق ما تم خسارته من خفض معدلات الضريبة.
تقريبا نسمع هذا التحليل كل مرة يتم فيها الحديث عن رفع الضرائب أو الرسوم، وأيضا عند مناقشة أسباب انخفاض معدلات النمو الاقتصادي المستمر منذ أكثر من 15 عاما.
إذا افترضنا أن الضريبة على مبلغ 100 دينار انخفضت من 30% إلى 15%، فإننا نتحدث عن خسارة الخزينة لمبلغ 15 دينار. تعويض هذا المبلغ ضمن معدلات الضريبة الجديدة يحتاج أن يتم إنفاق 100 دينار إضافية، أي أن ينمو الطلب بمعدل 100%.
والتساؤل هنا يدور حول كيفية تحقيق هذا النمو الفلكي في الإنفاق بواقع 100 دينار أو 100% إذا كان دافعو الضرائب قد وفروا 15 دينار فقط، أي ما يعادل 15% من الطلب الجديد المستهدف لتعويض الإيرادات.
حتى يتمكن وفر ضريبي بقيمة 15 دينار من خلق نمو في الطلب بواقع 100 دينار فإننا بحاجة إلى شرطين.
الأول أن يتم إنفاق ال 15 دينار على سلع وخدمات منتجة محليا، وفي قطاعات كثيفة الاعتماد على العمالة. فمن خلال ذلك، يدور الإنفاق عدة دورات داخل الاقتصاد، ليعاد إنفاق ال 15 دينار من مستثمرين وموظفين أردنيين مرة تلو الأخرى. وهذا مستبعد في الحالة الأردنية كون معظم السلع مستوردة، والكثير من العمالة وافدة، وفاتورة الطاقة مرتفعة، وحجم السوق صغير، مما يحد من حلقة دوران النقد داخل الاقتصاد.
الشرط الثاني هو أن يكون التخفيض الضريبي موجها لقطاعات إنتاجية وخدمية "تصديرية" بالدرجة الأولى. وبهذه الحالة فإن من الوارد (وليس المضمون) أن يؤدي انخفاض سعر الصادرات لارتفاع الطلب عليها أضعافا نتيجة تحسن تنافسيتها في الأسواق الخارجية "اللامحدودة" من حيث الحجم والقدرة الشرائية.
الشرط الثاني ينطبق على قطاعات محددة أهمها الصناعة والسياحية، ويمكن أن يضاف لها الخدمات الاستشارية وتكنولوجيا المعلومات والعقار (في حالات معينة).
وهنا لا نتحدث بالضرورة عن الضرائب بل أيضا عن كلف الطاقة والإنتاج، والحوافز الحكومية المباشرة المقدمة للقطاعات التصديرية السلعية والخدمية.
الحكومة قطعت شوطا كبيرا على هذا الصعيد من خلال خططها لتمديد الغاز للمصانع، واستمرار إعفاء صادرات الخدمات من ضريبة الدخل، وبرامج دعم وتحفيز الصادرات، والدعم المقدم للترويج السياحي.
التوسع في هذه الإجراءات مهم جدا، خصوصا ونحن أمام سياسات عالمية حمائية وانحسار لمنظمة التجارة العالمية، مما يمكننا من تبني برامج أكثر جرأة في دعم الصاردات الوطنية والمنتجات المحلية.
المشكلة أن قدرتنا على تمويل هذه الإجراءات تتراجع يوما بعد يوم نتيجة استمرار سياسات الدعم للمستهلكين لاعتبارات سياسية واجتماعية لا يمكن تجاهلها. وأحيانا نتيجة الرأي السائد بأن دعم المستهلكين وتخفيض العبء الضريبي عليهم يرفع النمو ويعوض تراجع الإيرادات، رغم أن هذا الطرح لا ينطبق إلا على القطاعات الإنتاجية والتصديرية.
هذه ليست دعوة للتوسع في الضرائب، إنما تسليط للضوء على الفرص الضائعة نتيجة منح الأولية للاستهلاك على حساب الإنتاج.
تخيلوا لو أن خسارة نيبكو وسلطة المياه السنوية تذهب لدعم الصادرات وقطاعات السياحية والتكنولوجيا. في هذه الحالة يصبح العجز مولدا للنمو والإيرادات بما يكفي لمعالجة نفسه ومعالجة التحديات الاقتصادية الأخرى.
*ملاحظة: المثال المستخدم تبسيطي وليس مبنيا على أسس علمية وتقديرية محكمة.