قراءة : إدارة الغافلين: إدارة بلا رقابة وإعادة تقييم

الرقابة أو المحافظة أو الرعاية ثلاثية تصب في مصلحة العمل المنظمي الناجح. ففي النهاية أنت (كمدير للمنظمة) تريد أن ترى كل شيء حولك يسير ضمن الخطة التي قمت بوضعها واعتمادها، والمباديء التي أرسيتها، وحتى الأوامر التي أصدرتها. أو بمعنى آخر قيامك بمراجعة إنجازك، وقياس نتائج ما قمت به، وعقدك لمقارنات بين ما نتج فعلا وما كنت ترمي لتحصيله من خطتك الموضوعة. وبالتالي فلا ريب من أنك ستحدد أسباب الانحرافات وستقوم على إثر ذلك بإجراءاتك التصحيحية. في النهاية ستصل إلى حالة من اليقين حول سلامة مشروعك، وأن إدارتك ناجحة من جهة الأداء، أو الوسيلة، أو الغاية، أو ستعلن أنك قد فشلت في ذلك كله.

ليس من المقبول ولا المعقول أن تتم ممارسة الرقابة الإدارية (وهي جوهر مقالنا) بعد الانتهاء من تنفيذ الخطة الاستراتيجية ! هذا ضرب من الجنون والجنوح عن الجادة. إذ لا بد من الدور الرقابي أن يكون سابقا ومرافقا ولاحقا !.

لقد وضع (مؤسس الإدارة الحدیثة) المهندس الفرنسي هنری فایول الرقابة في خماسية وظائف الإدارة والتي هي: التخطیط، التنظیم، التوظیف، التوجیه، الرقابة. ومع كونها الخامسة في السلسلة إلا أنها معنية فعليا بمتابعة أخواتها الأربعة لتحقيق التقييم اللازم لأداء المنظمة ومدى تحقيقها لأهدافها.

يعد التقييم والرقابة (Evaluation and control) العنصر الرئيسي الأخير في تنفيذ الإدارة الإستراتيجية، ومع ذلك فيمكنهما –أيضًا- تحديد نقاط الضعف في الخطط الإستراتيجية التي تم تنفيذها مسبقًا وبالتالي تحفيز العملية بأكملها للبدء من جديد. فالمديرون يستخدمون وعلى جميع مستوياتهم كافة المعلومات الناتجة لاتخاذ الإجراءات التصحيحية وحل المشكلات.

لكي يكون التقييم والرقابة فعالين، يجب على المديرين الحصول على معلومات واضحة وسريعة وغير متحيزة من الأشخاص الموجودين تحتهم في التسلسل الهرمي للمنظمة، وعدم التحيز والشفافية في نقل المعلومة يكاد يعز وجوده في هذه الأيام، في عالم تتصارع فيه المصالح الشخصية، والإرادات غير الحرة. وباستخدام هذه المعلومات، يقوم المديرون بمقارنة ما يحدث بالفعل مع ما تم التخطيط له في الأصل في مرحلة الصياغة.

"الأداء" هو النتيجة النهائية لكافة الأنشطة ويتضمن النتائج الفعلية لعملية الإدارة الإستراتيجية، ويشمل النتائج الفعلية لعملية الإدارة الإستراتيجية.  على سبيل المثال، عندما انخفضت حصة السوق (متبوعة بالأرباح) في شركة Dell في عام 2007، عاد مايكل ديل-المؤسس- إلى منصب الرئيس التنفيذي وأعاد تقييم استراتيجية شركته وعملياتها. كان المخطط هو المضي قدما نحو النمو المستمر، فتوسعت الشركة في خط انتاج منتجات الكمبيوتر الخاص بها ليشمل أنواعًا جديدة من الأجهزة مثل: وحدات التخزين، والطابعات، وأجهزة التلفزيون، لكن لم تعمل كما هو مخطط لها. بل إن إنتاج أجهزة التلفزيون والطابعات لم تستطع شركة Dell أن تضيف قيمة كبيرة من خلال سمة قدرة التخصيص (استخدام بيانات العملاء لتلبية احتياجات الفرد) التي تتمتع بها. وحتى في مجالات أخرى كالخدمات كان المنافسون الذين يقدمون الكلفة الأقل موجودين في الساحة. لذا قال مايكل:" أعتقد أنك سوف ترى منظمة أكثر انسيابية، مع استراتيجية أكثر وضوحًا".

إن عملية التغذية الراجعة (Feed back) التي تقوم بها المنظمة أو وحدة الأعمال ضرورة ملحة لمراجعة أو تصحيح القرارات التي تم اتخاذها في وقت سابق من العملية لتطوير الاستراتيجيات والبرامج وما شابه ذلك. فالأداء الضعيف (كما تم قياسه بالتقييم والمراقبة) يعني عادةً حدوث خطأ ما في صياغة الإستراتيجية أو تنفيذها. وقد يعني أيضًا أنه تم تجاهل متغير رئيسي-مثل وجود منافس جديد- أثناء المسح والتقييم البيئي. وفي حالة شركة Dell كان سوق أجهزة الكمبيوتر الشخصية قد نضج، وبحلول عام 2007 كانت فرص النمو المتاحة داخل هذه الصناعة أقل وأضعف. حتى أن جيم كريمر -مقدم البرنامج التلفزيوني الشهير Mad Money- كان يشير إلى أجهزة الكمبيوتر في عام 2008 باعتبارها "تكنولوجيا قديمة" لا تتمتع بآفاق نمو تذكر. فكانت إدارة شركة Dell بحاجة إلى إعادة تقييم بيئة الشركة وإيجاد فرص أفضل لتطبيق كفاءاتها الجوهرية بشكل مربح.

الرعاية الصحية هي خدمة مقدمة للأشخاص الذين هم في نفس الوقت مرضى بالمعنى التقليدي وعملاء بالمعنى الحديث، وهذا ما يجب أن يستقر في ذهن مقدمي الرعاية الصحية أثناء تقديم الرعاية الصحية لل(العملاء المرضى). وإدارات خدمات الرعاية الصحية هم أحوج الناس لاستمرار عمليات التقييم والمراقبة أثناء تنفيذهم لخطتهم الاستراتيجية.