لا أحد يستطيع تجاهل مشاعر القلق التي تجتاحنا كنتيجة للتوليفة الوزارية الجديدة لحكومة الخصم الأبرز نتنياهو وفي هذه المرحلة بالذات.
وكيف لا يكون الخصم الأبرز وضمن برنامج حكومة نتنياهو المساس بالوصاية الهاشمية الأردنية، وتوسيع الاستيطان الذي يعد عمليا تهديدا للأردن ومصالحه، بالإضافة لإعادة مشروع ضم غور الأردن للحياة.
والقاعدة تقول: ماخفي عند هؤلاء أعظم .. هكذا علمتنا التجارب معهم.
في نفس اللحظة وكالعادة فإن عرضا سياسيا دبلوماسيا إيرانيا يقدم من الشرق، لتجد الدبلوماسية الأردنية القلقة مما يجري في الغرب وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان -ولأول مرّة وبصورة نادرة- يصرح ويؤكد مساندة إيران للوصاية الهاشمية الأردنية.
ولكل عاقل هنا أن يسأل: هل ما يجري في غرب الأردن له علاقة بما يجري في الشرق؟!
نحن نعلم أن علاقة الأردن وإيران يشوبها فتور منذ الحرب الأمريكية على العراق عام 2003
وعام 2004، حذّر الملك عبدالله الثاني ابن الحسين خلال حديث له مع صحيفة أمريكية من خطر ما أطلق عليه حفظه الله: "الهلال الشيعي".
وفي لقاء اخر وحين سئل أبو الحسين عن مراده بما أطلق عليه "الهلال الشيعي"؟
قال: "أود أن أوضح هنا أنني عندما تحدثت عن الهلال الشيعي، قصدت الهلال الإيراني من وجهة نظر سياسية".
فلم يترك بذلك مجالا للشك أو حتى الاحتمالات.
ولا زلنا نذكر تصريحات الملك عبد الله الثاني، والتي كشف فيها تعرض الأردن قبل عام إلى هجمات بطائرات مسيّرة إيرانية الصنع تم التعامل معها، وبين جلالته حينها في مقابلة مع شبكة "CNN" الإخبارية الأمريكية أنها "في تصاعد" دون تقديم تفاصيل أخرى بالخصوص.
وفي أيار من العام الماضي، تحدث جلالته أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة عن أهمية التواجد الروسي في الجنوب السوري، كونه يعد مصدرا للتهدئة، حتى أنه قال حينها: "هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا"، وكان هذا خلال مقابلة مع الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر، ضمن البرنامج العسكري المتخصص "Battlegrounds".
وكل ماسبق يؤكد على وجود قلق لدى المملكة من سياسات إيران في المنطقة وتخوفات من تداعيات هذه السياسات على أمن المنطقة واستقرارها.
مع أن جلالة الملك كان يعيد ويكرر خلال حديثه السابق على ضرورة التعامل مع إيران على مبدأ حسن الجوار.
لن يلوم أحد الأردن إذا ماقامت بإعادة النظر في استراتيجيته للتعاطي مع الواقع والوقائع، مع يقيننا بعد استعراض ما مضى من كلام القائد الهاشمي أن هذا التعاطي سيكون حذرا جدا خاصة أن حقيقة القوم لا تخفى عليهم.
والواضح جدا أن هذه المراجعة لها أسبابها الواقعية فالقوات الإيرانية تقبع على قرب من الحد الأردني الشمالي، ونعلم يقينا أن كبح جماح هذه القوات بيد طهران، كما هو بيدها في اليمن.
والأردن يقرأ مشاهد معالجة عقلانية من خلال زيارة وزير الحج الإيراني إلى المملكة العربية السعودية واجتماعه بالمسؤولين السعوديين قبيل موسم الحج، والظاهر أن المحافظة على قنوات اتصال ضمن مستوى مقبول ما بين الرياض وطهران أدى إلى تثبيت الهدنة في اليمن.
ليكون السؤال الملح هنا: أيهما أجدى: انتظار الصديق البعيد، أم معالجة العدو القريب؟!
مع التأكيد على أن الأمن الوطني الأردني هو في سقف الأولويات، وبالتالي فإن الأردن لا ينطوي تحت أجنحة أحد.
ولعل ما أعنيه أوضحه دولة الدكتور بشر الخصاونة حين صرح بقوله: "الأردن لديه ملاحظات جوهرية وجذرية حول كيفية تعامل إيران مع بعض الملفات الإقليمية، ومع بعض أنماط وأشكال التدخلات في دول شقيقة نعتبر أن منظومة أمنها القومي جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي الأردني، ومن ضمنها دول الخليج العربي الشقيقة".
وأشار إلى أن الأردن "يسعى للوصول إلى صيغة حوار مع إيران مبنية على علاقات حسن الجوار".
وأكد أن الأردن "منفتحٌ على علاقة صحية للغاية مع إيران على قاعدة الضوابط والأحكام التي قام عليها النظام الدولي المعاصر، والمرتكز على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها ووحدتها الترابية ومبادئ حسن الجوار".
وأنا أقرأ هذه التصريحات من رئيس الحكومة بمثابة إعادة التوازن للعلاقات بين عمان وطهران وخاصة التجارية منها.
وقد يكون للبعض رأي آخر يتعلق بلغة التهدئة التي ينبغي للجميع استخدامها في هذه الآونة التي لا تسمح بنشوب أي صراعات وحروب خاصة مع ما يجري في أوكرانيا وروسيا اليوم.
المهم في الموضوع أن لا تحاول بعض الأجندات استغلال ما يجري في الكيان الصهيوني من تهديدات لفرض سياسة الانفتاح على إيران وفي كافة المجالات مع علمنا اليقين أن مشروع إيران التوسعي لم يزل قيد التنفيذ.