أ.د.يونس مقدادي
يتساءل الكثيرون عن الحلول التي من الممكن الإستفادة منها لمعالجة العديد من القضايا ومشاكل والتحديات والتي تواجه الفرد والأسرة والمؤسسات والمجتمع بقطاعاته المختلفة والتي نراها من الصعوبة بمكان التعامل معها بالرغم من توفر رأسمال البشري المتعلم وبمختلف المجالات التخصصية،ولكن نجد
أنفسنا في حيرة من أمرنا أو نلجأ إلى حلول تكاد تكون سطحية وغير مجدية مما يزيد الأمر سوءا بسبب غياب الحلول الجذرية لمعالجتها، وبشكلٍ خاص في ظل السباق الحضاري الذي نشهده في وقنا الحاضر والمستقبل المليئ بالمفاجأت.
ويلاحظ الجميع حجم التطور المتسارع لكافة العلوم ومجالاتها المعرفية وهذا يدل على إستجابة العلم لتلبية متطلبات الحياة البشرية أفراداً ومؤسسات ودولٍ باعتباره وسيلة ناجحة للتغيير والتطور وانتهاز الفرص ناهيك عن إمكانية تحقيق الآمال والطموحات وتطلعات الآجيال. ومن هنا تأتي تأكيدات المفكرين وأصحاب الرأي ومنذ قرون مضت على الاستثمار بالتعليم والعلم كتجارة رابحة في شتئ مناحي الحياة البشرية إجتماعياً وثقافياً واقتصاديا وسياسياً وتكنولوجياً باعتباره النواة الحقيقية لبناء المستقبل الذي تتطلع اليه الأمم والمجتمعات.
ومن الشواهد على الاستثمار بالعلم والتعليم كتجارة رابحة دولٍ كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر سنغافورة، وماليزيا، وتايوان، ناهيك عن دول أوروبا الغربية وأمريكا وكندا واستراليا وغيرها وما تحقق من قفزات نوعية وعلى جميع الصُعد إيماناً منها بإن التعليم والعلم هو المفتاح الحقيقي لنهضة الأمم، وبالمقابل نجد دول ومجتمعات أخرى وغالبيتها في مجتمعات العالم الثالث والتي مازالت تنظر للتعليم والعلم كوسيلة للحصول على الشهادات العلمية ويتسابق عليها الكثير لتحقيق مكاسب شخصية كالوظيفة والمكانة وغيرها دون النظر للغاية والفائدة الحقيقية منها كالتطور والتغيير والتسابق مع العالم الأخر ضمن مفهوم التنافسية.
إن التجارة بالتعليم والعلم ليس المقصود بمدلولها اللغوي والدال على البيع والشراء وإنما الدال على كيفية استثمار التعليم والعلم في تحقيق التغيير النوعي كمفتاح لترجمة الطموحات والآمال في مختلف مناحي الحياة وضمن معايير نوعية لتوظيفهما في تطوير الصناعة والتجارة والخدمات والمصارف والصحة والتعليم والزراعة والطاقة والتطور التكنولوجي وغيرها بهدف التخلص من مسرحية المعاناة والتي أصبحت متجذرة دون حلول جذرية تساعد في الخروج من فوهة الزجاجة.
ويعتقد الكثيرون أن ضبابية الرؤى المستقبلية للتعليم والعلم وكيفية استثماره في كافة مناحي الحياة البشرية كانت من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات والدول مما ساهمت في إضعاف منظومة التعليم ومخرجاتها، ناهيك عن ضعف البنية التحتية واللوجستية الداعمة والمنتجة للعلم والعلماء وتوظيفهما عملياً في الشأن العام لحل مشاكل وقضايا المجتمع ومؤسساته، وضعف في ترسيخ ثقافة الاستثمار برأسمال البشري باعتبار التعليم والعلم هو المصنع الحقيقي للعقول بغية إستثمارها كتجارة رابحة في مختلف الميادين، وتعزيز دور المؤسسات البحثية والتطويرية، والاهتمام بالمبدعين ذوي الأفكار الابداعية والابتكارية، وتفعيل دور القطاع العام والخاص التشاركي مع مراكز البحث العلمي وترسيخها كثقافة مجتمعية ضمن أطر مؤسسية، والتخلص من الأفكار التقليدية ومصادرها، والتخلص من أنماط التفكير القائمة على منهجيات شخصية في إدارة الشؤون الحياتية والمؤسسية.
قال الله تعالى بكتابه الكريم: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”، «سورة المجادلة: الآية 11».
وقال رسولنا الكريم في حديثه: " إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا". ومن هنا نجد أنفسنا جميعاً كشركاء نتفق على أن العلم والتعليم هو التجارة الرابحة لرقي الشعوب وتحضرها والاستفادة من رأسمال البشري وتوظيف الإمكانيات والتي نمتلكها بغزارة لتحقيق الرفاه والسعادة وتحقيق الطموحات والآمال سعياً منا للخروج من فوهة الزجاجة.