مقال يعقوب ناصر الدين. آفاق سياسية

ستخدم نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي خلال الاتصال الهاتفي بينه وبين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تعبير «إيجاد آفاق سياسية حقيقية» لتحقيق السلام العادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويبدو لي هذا التعبير مستحدثا، مثلما هو واقعي، عندما يتعلق الأمر بالطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المتوقفة منذ فترة طويلة، الأمر الذي يجعل خيار حل الدولتين محاصرا بالممارسات والإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب، وخاصة بناء المستوطنات على الأراضي التي يفترض أن تقوم عليها الدولة المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية

وفي اعتقادي أن تعبير (الآفاق) يؤشر بوضوح على الجمود القائم حاليا، والواقع المظلم والمحتقن في الأراضي المحتلة الذي يحتاج إلى نوع من التفكير خارج الصندوق المغلق لرسم خط دائري في الأفق الأوسع والأرحب، من خلال إزالة العوامل التي تقوض فرص السلام، ووقف جميع الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية، والتصرفات الاستفزازية، ونزع فتيل التوتر

وخلال المباحثات التي أجراها الوزير الصفدي في مقر الأمم المتحدة بنيويورك أعيدت صياغة الموقف الأردني في إطار الشرعية الدولية، وتم الحديث بوضوح عن قرارات مجلس الأمن الدولي، التي تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 ، لإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة عليها ، وكان للتركيز على ضرورة توفير الدعم اللازم لوكالة الغوث أبعاد تتعدى مسألة التمويل إلى الجوهر المتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني

هل من جديد في مجريات هذا الصراع؟ والجواب يكمن في مجموعة العناصر الناجمة عن الحيوية السياسية التي يقوم بها جلالة الملك عبدالله الثاني حاليا، والتي تمثلت ذروتها قبل أيام في قمة رام الله مع الرئيس محمود عباس، وفي جانب منها جرى التأكيد أن الأردن هو الأقرب إلى فلسطين، وأنه الشريك القوي الذي يلتقي مع الشعب الفلسطيني على وحدة الهدف والمصير، وإذا كانت المباحثات قد تطرقت لحالة التوتر والاحتقان التي يتنبأ الجميع بإمكانية تفجرها خلال شهر رمضان المبارك، نتيجة الاستفزازات الإسرائيلية فإن جوهر القمة قد تركز على كيفية تحويل التحديات والمخاطر إلى فرص يمكن من خلالها إعادة الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، بعدما حشد العالم كل نصوص القوانين الدولية التي تدين روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا!

قد يتيح الوضعان الإقليمي والدولي القائمان حاليا فرصة جديدة لإعادة النظر في الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية، ولعل أميركا بحاجة لموقف من هذا النوع طالما أن احتلال دولة لدولة، وتشريد شعبها أمر يهدد الأمن الدولي، بينما يعرف العالم خلال ما يزيد على نصف قرن أن منطقة الشرق الأوسط لم تنعم بالأمن والاستقرار ، والسبب الأهم هو عدم إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية

اليوم تبرز القيمة الحقيقة للموقف الذي تمسّك به جلالة الملك تحت عنوان «حل الدولتين» أكثر من أي وقت مضى، وقد ظن كثيرون أنه شعار غير قابل للتطبيق في ظل الأمر الواقع الذي فرضه الجانب الإسرائيلي، وحتى على افتراض أنه كذلك فإنه اليوم يضع جميع الأطراف أمام حقيقة لا مفر منها، إما أن يكون ذلك هو الحل أو لا حل، ولا سلام، ولا أمن ولا استقرار في هذه المنطقة من العالم