كثير من القضايا التي نتابعها على المستوى الوطني تعتمد في استخلاص نتائجها وأبعادها على الزاوية التي ننظر منها، والطريقة التي نتحدث عنها بشأن تلك القضايا، وفي الحقيقة أن اتساع أو ضيق تلك الزاويا هو العامل الذي يتحكم في فهمنا وتوصيفنا لها، وأخذها على محمل الجد والأهمية القصوى، أو على محمل الهزل والاستخفاف بالحيوية السياسية التي تشهدها البلاد!
لقد أنجزنا منذ أيام عملية انتخاب مجالس المحافظات والبلديات، وأمانة عمان، بالتزامن مع الانتخابات التي تمت في عدد من النقابات المهنية، وما بين التركيز على نسب المشاركة في تلك الانتخابات، وما شابها من مخالفات وخلافات، وما بين التركيز على القيمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمجمل العمليات الانتخابية هناك فجوة كبيرة على مستوى التقويم بين الذين يؤمنون بالديمقراطية عن طريق توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وبين الذين لا يثقون بعملية تحديث المنظومة السياسية بكل ما ارتبط بها من تعديلات دستورية، وقانون للأحزاب وآخر للانتخاب!
تلك الفجوة يمكن أن تزيد من الشكوك المتبادلة بين النخب السياسية، وربما تربك المشهد الوطني، ما لم نذهب إلى مزيد من الحوارات الجدية حول المسارات المختلف عليها، بعيدا عن الاتهامية والمبالغة في عرض الآراء ووجهات النظر، فالجميع يرسمون الصورة التي يفترض أن يكون عليها الأردن، وهو يمضي إلى مئوية ثانية من عمر الدولة، التي شقت طريقها محفوفة بالمخاطر والتحديات الإقليمية، ومن جوارها القريب، فضلا عن تأثرها بالتوازنات الدولية، وصعوبة خياراتها المحدودة غالبا، لكي تحفظ مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي
من المؤكد أننا لا نملك رفاهية النظر إلى شؤوننا المحلية معزولة عن التغيرات والأزمات المحيطة بنا، على أن فهمنا لتلك التغيرات، وكيفية التعامل معها أصبح مسألة مصيرية، لا تحتمل الخطأ أو سوء التقدير، عندما يتعلق الأمر بالأعباء التي تتحملها الدولة، ولعل أبسط مثال على ذلك الحرب الدائرة في أوكرانيا، التي انعكست علينا، رغم بعدها عنا، سواء ما يتعلق بارتفاع أسعار النفط أو حالة الفوضى في سوق المنتجات الغذائية وغيرها من السلع الأساسية!
وقد يسأل سائل ما علاقة هذا كله بانتخابات المجالس البلدية ومجالس المحافظات؟ والجواب يكمن في فهم البنية المتكاملة للدولة، حين تعيد تنظيم شؤونها، بناء على أولوياتها الوطنية، وقدرتها على تحديث منظوماتها وقطاعاتها ومؤسساتها المختلفة، لتكون أكثر قوة وصلابة في مواجهة التحديات المتوقعة، وغير المتوقعة ، وهي عملية ترتكز أساسا على تنظيم مجتمعاتها المحلية، ومشاركتها من خلال ممثليها في تلك المجالس في تحديد تلك الأولويات، والمشروعات التطويرية والانمائية، وغير ذلك مما هو ضمن مشمولات تلك المجالس، ذلك أن تنظيم الحياة العامة في البلاد هو المظهر الأهم في تكوين صورة الدولة القابلة للتحديث والتطور والتقدم إلى الأمام
من هذه الزاوية فإن الانجاز الذي تحقق على خلفية تلك الانتخابات، والتقدم الحاصل في بناء حياة حزبية وبرلمانية جديدة تعكس دون شك حيوية وطنية غير مسبوقة، أما المعركة التقليدية بين اليأس والأمل ، فيمكن حسمها بوعينا الوطني، وايماننا القوي، وعزيمتنا المشتركة في بناء الأردن الذي نريد!