تفاعلاً مع ضغوط الحياة ، وإستجابة لمتطلباتها ، ولخوض غِمارها ، يعيش الانسان في صراع ، وإجهاد ، وكبد ، طيلة ايّام عمره ، يتأرجح بين الأفراح ، والأتراح ، حزناً تارةً ، وفرحاً تارةً أخرى . وعليه لا بد ان يدرك الانسان ان الحياة تعطيك ، وتمنحك السعادة ، كما تأخذ منك ، وتطالك الأحزان . فمثلما يمر على الانسان حالات فرح ، تمر عليه حالات حزن . وبين الأخذ والعطاء ، والفرح والترح ، تمر الأيام والسنون ، وتقلبنا الأيام حيث تشاء ، ويمضي العمر ، بخيره وشرهِ .
لكن هناك علماء أجلاء ، وفلاسفة مبدعون ، يعملون ليل نهار ، ويُجهدون أنفسهم ، لراحة البشر والبشرية ، لتنويرهم ، وتثقيفهم ، وتوعيتهم ، وإرشادهم . ومثال على ذلك كتاب إقتنيته وقرأته قبل حوالي ( ٣٥ ) عاماً بعنوان (( Positive & Negative Thinking )) ، أي التفكير الإيجابي والسلبي . لم أُوفق في العثور عليه في مكتبتي المتواضعة ، لأتمكن من ذِكر إسم المؤلف ، وأستذكر بعض المعلومات ، لكنني لم أعثر عليه ، أعتقد ان أحد الاصدقاء إستعاره ، ولم يُعِده لي . قلت في نفسي ان ألجأ الى غوغل عالِم الأسرار ، والخبايا ، والخفايا ، ومُهدي السبيل المعلوماتي والمعرفي ، لكنني تورطت ، وكأنني ( فتحت على نفسي مَدْبَره ) ، فاذا أمامي عشرات العناوين المتشابهة ، وعشرات المؤلفين ، ( فَرجبتُ دلوي ) ، وإستحيتُ على شيبتي ، ووضعت حداً لفصحنتي ، التي كشفت جهلي بالتكنولوجيا ، واكتفيت بقدرات ذاكرتي المتواضعة .
إنتقيت من ذاكرتي أهم ما يُمكن ان يُفيد القُراء الكرام . يقول المؤلف :- أنه في أية مسألة ، او فِكرة ، او مُشكلة ، تتصارع الأفكار في عقل الإنسان ، ويحتار في الإنتقاء ، ويتأرجح بين الإحجام ، والإقدام . أي تتصارع الفكرة الإيجابية ( الإقدام ) ، مع الفكرة السلبية ( الإحجام ) . وتُدلي كُل فكرة بحجتها للعقل البشري ، طارحة السلبيات ، والإيجابيات . وللتوضيح أورد مثلاً بسيطاً من بيئتي الخاصة : فمثلاً لو خطرت ببالي فكرة : ان أركب سيارتي ، واتوجه جنوباً ، قاصداً قريتي الحبيبة ، ومسقط رأسي ، قرية / زحوم ، في الكرك . عندها تعتمل وتتصارع الأفكار ، في رأسي . التفكير الايجابي يحثني على الإقدام ، والذهاب الى قريتي للأسباب التالية : سيساعدني المشوار على تغيير الجو ، وستتكحل عيوني برؤية طبوغرافية الحبيبة / زحوم ، حيث تمتليء عيوني برؤية السهل ، والجبل ، والوادي ، وبيت والدي ، وبيوت الأقارب والجيران القديمة ، وتنتعش ذاكرتي واستمتع بتذكر أيام الطفولة والشباب ، والتقي بافراد من عائلتي الممتدة — بعد ان فُجعت بوالدي ، ووالدتيَّ ، وأخويَّ عليهم جميعاً رحمة الله — كما سأشاهد ما أمكن من الأقارب و الجيران .. الخ ، وبعدها أعود سعيداً مستمتعاً . عندها يقفز التفكير السلبي ، شاخصاً بصره ، مستغرباً إندفاعي ، وعدم عقلانيتي وتحوطي . ويقول لي ( على هونك ، على رِسلِك ) ، فكّرت ، واستحضرت ، كل ما يُسعدك ، لكنك أغفلت أية مخاطر يمكن ان تحوّل سعادتك الى نكد او نهاية لوجودك . ويسترسل : من الذي يضمن لك الآتي : ان لا تتعطل سيارتك في الطريق ، فتُحيل سعادتك شقاءاً !؟ ومن الذي يضمن لك ان لا تتعرض لحادث قد يُربك حياتك ويكلفك الكثير من المال يفوق قدراتك المتواضعة !؟ ومن الذي يضمن لك ان تخرج حيّاً من الحادث انت وغيرك !؟ بعيون شاخصة ، وشفاه مرتعدة ، وأسنانٍ مُصطكة ، وبنبرة حزينة مرتجفة أسأل السيد / التفكير السلبي ، إذا ماذا تقترح !؟ يرد عليّ ، بكل ثقة ، وإصرار : إجلس في بيتك ، وتجنب هكذا افكار لتوفر على نفسك كل الشقاء ، والكُلف ، والأهم ان تحافظ على حياتك وحياة غيرك .
وهنا يحتدم الصراع في عقلي ، او عقل أي شخص غيري يتعرض لمثل هكذا تناقض في التفكير ، يتأرجح بين الإقدام ، والإحجام . او بين التفكير السلبي والايجابي . وهنا ينتصر صاحب الإرادة القوية الحازمة الذي لديه القدرة على الإقدام ، ولديه القناعة الأكيدة بان الحياة كما تعطيك ، فانها تأخذ منك ، وكما تُفرحك ، فانها تُبكيك ، وان الموت هو الحقيقة ، لكنها مُرة ، ولا بد انه آتٍ ، ولو كنا في بروجٍ مُشيدة ، انسجاماً وإمتثالاً لقوله تعالى (( أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مُشيدة )) صدق الله العظيم . وعلينا ان لا نستكن ونستسلم لمصاعب الحياة وأقدارها ، (( فالله خير حافظاً ، وهو أرحم الراحمين )) . وأختم بابياتٍ للشاعر / أُسامة بن مُنقذ :
فلا يمنعك من طريق مخافة / ولا حصر وأنقذ فهن المقادر .
ولا تدع الأسفار من خشية الردى / فكم قد رأينا من رد لا يسافر .
ولو كان يبدو شاهد الأمر للفتى / كأعجازه ألفيته لا يؤامر .