منذ بدء الجائحة لم أشأ أن أكتب في المضمون الوبائي، وكنت أقول في نفسي أن لجنة الأوبئة هي الأقدر على تقدير الموقف، وأنه من الأولى أن يترك لوزير الصحة اتخاذ القرارات بما هو ضروري للجم الوباء ومحاصرته في مهده، واستخدام الوسائل اللازمة لتخفيف عبء الانتشار. والحقيقة أنني كنت أعتقد متوهماً أن لجنة الأوبئة تقوم بدور احترافي وطني مبني على دراسات ومقارنات واعية ومقاربات حقيقية مع التجارب الدولية الحيّة والفاعلة في مواجهة الوباء، إلا أن التطورات المتسارعة لانتشار الوباء تشير إلى أن ثمّة خلل فني في القراءات التي وصلت إليها لجنة الأوبئة أو القرارات التي وافق عليها وزير الصحة.
الإصابات في الكوادر الصحية تعطي دليلاً واضحاً على غياب التدريب الواعي، وضعف الاستعداد والوصول إلى حالة اللامبالاة في التعاطي مع ملف الوباء والركون إلى الحظ في مخرجات الوضع الوبائي، بحيث إذا كان الحظ يخدم السلطات الصحية أصبح الحمد والثناء لها واجباً، وإذا زادت الإصابات صبّوا جام غضبهم على غياب التزام المواطن بارتداء الكمامات. وفي كل الأحوال تترك النتائج للقدر، وهو أمر لا يجوز الركون إليه في تقرير المسؤولية السياسية والفنية في تفاقم الوباء وزيادة مخاطره إلى مستويات قياسية مقلقة.
وزير الصحة الذي كدنا أن نقيم له تمثالاً في حياته يتحمل المسوؤلية الكبرى بهذا الانفلات المرعب في عدد الإصابات وخطورة المشهد لا سيما في الكوادر الطبية، ووزير الداخلية الذي ظننا أنه الوزير الحازم في ضبط كل مظاهر الانفلات الداخلي والاختراق الخارجي في المعابر يتحمل مسؤولية سياسية كبيرة وعلى الوزيرين أن يتحملا تبعات قراراتهما ويغادرا المشهد السياسي بكل اعتذار، وضرورة العودة إلى دراسة الإغلاق العام المؤقت بكل جدّية. بل علينا الاعتراف بأن الاستعدادات التي تغنينا بها هي مجرد تكهنات أو ربما أمنيات لم تتحقق.
على الحكومة أن تفكر سريعاً في خيار الإغلاق العام لمدة أسبوعين في ظل إعلان الحكومة بأننا دخلنا مرحلة الانتشار المجتمعي؛ لأن الاعتبارات التي تركن إليها السلطات الصحية في تبرير فتح القطاعات دون ضوابط حقيقية تستند إلى أسباب موجعة ومبررات لا تستطيع البوح بها ليس أقلها من الانتصار للاعتبار الاقتصادي على حساب الاعتبار الصحي الذي قد يجر المشهد الوبائي إلى منزلقات خطيرة جداً في الأيام والاسابيع القليلة المقبلة مما يجعل من ضرورة الإغلاق متطلباً مؤلماً ولكنه ضروري لحماية القطاع الصحي من خطر الانهيار، وانفلات عوامل الوقاية من أدوات الضبط والرقابة.
آن أوان الحزم في تطبيق أوامر الدفاع بعدالة وشفافية، وأضحى واجباً ترسيخ مفهوم سيادة القانون في هذا الظرف الدقيق، وبات لزاماً على رجال المال والاقتصاد إدراك مسؤولياتهم الوطنية في إسناد الوطن بالدعم اللازم لتخفيف وطأة الجائحة. ولم يعد ممكناً الانتظار أكثر في ظل مؤشرات غير مطمئنة عن طبيعة الإصابات ومدى خطورة الفيروس اللعين، سيّما وأن معركتنا مع هذا الوباء قد بدأت ذروتها الآن وتتطلب وعياً استثنائياً ونكراناً غير مسبوق للذّات وندق ناقوس الخطر بأن الحظ لم يعد معنا في هذا الظرف، وأن عناية الله هي المرتجاة في هذا الزمن الصعب. وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء..!