بالرغم من الهواجس المخيفة وأرق الناس ورعبهم من وباء كورونا؛ وبالرغم من الآثار السلبية المتعددة التي يراها العالم بأسره في هذا الفايروس العابر للقارات والدول؛ وبالرغم من تعب العلماء من بحثهم في لقاح أو دواء لكورونا؛ وبالرغم من إجهاد الطواقم الطبية؛ وبالرغم من الجهود المضنية للجيش والأجهزة الأمنية؛ وبالرغم من حالة الترقّب التي يعيشها الناس؛ وبالرغم وبالرغم من كل السيئات التي خلفها هذا الفايروس؛ إلا أن وجود الناس في بيوتهم كنتيجة لإستراتيجية التباعد الاجتماعي والمسافات الآمنة والعزل المنزلي والحظر؛ فإن ذلك كله أثبت فعاليته في إظهار القيم العائلية ولو قسراً من خلال تواجد العائلات في منازلهم بالقرب من بعضهم مكانياً ليعيشوا حالة القرب في ميل القلوب على السواء.
تواجد العائلات في بيوتها تماشياً مع قانون الدفاع وقراراته يُؤشّر لاحترام الناس للغة القانون وخوفهم على بعض محبة وعاطفة خوفاً من أن يحمل أحد أفراد الأسرة الفايروس ويعدي الآخرين؛ وفي ذلك عاطفة وغَيْريّة وإيثار؛ فِالتواجد القسري أو الطوعي للناس في بيوتهم جعلهم قريبين من بعض مكانياً لتخلق حالة قرب القلوب والحديث في شجون العائلة والتواصل والمستقبل وذكريات الماضي القريب والبعيد على سبيل تعزيز أواصر المحبة والألفة .
وتواجد الوالدين والأبناء في بيوتهم يجعلهم يضطرّون للتعارف من جديد وخلق حالة من الألفة والمحبة بينهم؛ وخصوصاً في حال كونهم يعملون والوقت كان قصيراً لتواجدهم مع بعضهم البعض؛ كما أن تواجد الوالدين في العزل المنزلي يخلق حالة من الشعور عند الرجال تحديداً بأن المرأة تعمل أشغالاً شاقة وخصوصاً إن كانت عاملة أصلاً؛ فيشرع بمساعدتها في قضاء أعمال البيت؛ وهذه المساعدة تكون من القلب لخلط العاطفة كشعور قلبي مع التعب البدني المطلوب لإنجاز يوميات العمل المنزلي.
حتى روح الدعابة عند الناس بدأت تظهر في زمن كورونا للتعليق على أن الرجل يساعد المرأة رغم أن الحياة مفروض أن تكون بتشاركية بين الرجل والمرأة؛ ومع ذلك تتجسد القيم العائلية في العمل والعاطفة والشعور والاحترام والمحبة وغيرها؛ وحتى رسم المستقبل لشباب العائلة يكون على أوجه إبّان العزل المنزلي حيث الوالدين يرسمان خطوط الرؤى المستقبلية للتخطيط لشبابهم صوب حياة عصرية وسعادة وفرح دونما نزقيّة أو عصبية.
مطلوب ما بعد كورونا أوقات أطول للعوائل للجلوس مع بعضها لتعزيز لغة المحبة المشتركة؛ وخلق حالة من القيم العائلية الإيجابية النموذجية لتحويل التحديات إلى فرص؛ وليكون استثمار أمثل للوقت دونما أي ترف له؛ ومطلوب تعزيز العلاقات العائلية وتجديدها وكسر روتينها خوفاً من نشوء حالات هجر أو طلاق عاطفي بين أربعة جدران؛ وخوفاً من أن يدخل الفضوليون والمتصيدون والقناصون بين الأزواج؛ لتكون الحياة نظيفة وبهدوء وسكينة ومودة ورحمة.
وأخيراً؛ نحتاج لتعظيم القيم العائلية في كل الأوقات وخصوصاً في زمن كورونا؛ فحالة التصالح والقرب العائلي ضرورية لخلق جو عائلي مليء بالبهجة والسرور والتخطيط للمستقبل على سبيل الخروج من جو الكآبة والملل؛ ولهذا فالميل العاطفي ضرورة للسعادة والهناء.
*وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق- رئيس جامعة جدارا