تبدو الاستجابة الحكومية لتداعيات أزمة وباء كورونا اقتصاديا متردّدة وغير حاسمة ولا سريعة في خياراتها لمواجهة الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي بدأت تلوح بالأفق، اللهم ربما باستثناء بعض الاستجابات السريعة، بعضها كان إيجابيا ومهما كما بحزمة البنك المركزي وتوفيره 500 مليون دينار لتحفيز العجلة الاقتصادية، وأخرى سلبية تجاه القطاع الخاص.
يضاف إلى ذلك تأسيس صندوق «همة وطن» كخطوة إيجابية، فيما من المرتقب أيضا صدور قرار باقتطاع جزء من رواتب القطاع العام والهيئات المستقلة، يُخصص لدعم عمّال المياومة والقطاعات الصغيرة المتضررة، إلا أنّ كل ذلك يشكل استجابة خجولة ومتردّدة لا ترتقي لحجم الأزمة التي بدأت تضرب ويتوقع لها أن تتواصل وتتزايد حتى لو انحسر الوباء خلال الأشهر القليلة المقبلة.
الثابت أن إيرادات الخزينة العامة تأثرت وستتأثر بصورة كبيرة مع الشلل الذي أصاب مختلف القطاعات الاقتصادية على الأقل حتى نهاية العام الحالي فيما تتطلب مواجهة أزمة الوباء التوسع ببعض أوجه النفقات العامة وفي مخصصات الطوارئ وتأمين موارد طارئة لها. وبالتوازي مع ذلك مطلوب إجراءات وقرارات طارئة تساعد القطاع الخاص ومختلف أوجه الاقتصاد للصمود وتجاوز الأزمة بأقل الخسائر وبما يحمي أيضا الأوضاع المعيشية والاجتماعية للناس.
آراء عديدة ومقترحات مختلفة قدمت من خبراء ومختصين ومعنيين للاشتباك مع التداعيات الاقتصادية للأزمة، لكن الجهد الأهم وشبه المتكامل على هذا الصعيد تجده في ورقة الاستجابة الأولية التي أصدرها قبل أيام المجلس الاقتصادي والاجتماعي وأعدها خبراء ومعنيون من مختلف التخصصات والقطاعات، وقدمت قراءة معززة بالأرقام والإحصاءات خالصة إلى توصيات محددة وشاملة وضمن السيناريوهات المحتملة، ومعززة بالجدوى والأثر المتوقع لكل توصية ماليا وتأثيرا بعيدا عن الإنشاء والعموميات، ما تشكل برأيي المتواضع خطة عمل وطنية متكاملة يمكن أن تحدث فرقا واضحا بمواجهة الأزمة الاقتصادية.
تقرير المجلس يتوقع أن تصل النفقات الطارئة المطلوبة لنحو 500 مليون دينار بحال استمرار الوباء والإجراءات الطارئة حتى أيار (مايو) المقبل، وإلى مليار و200 مليون دينار بحال استمرار الأزمة حتى نهاية العام. لذلك يقدم مقترحات متكاملة لخفض النفقات الجارية والرأسمالية الأخرى بالموازنة كخطة طارئة لتأمين المطلوب للإنفاق الطارئ، وقد ورد ذلك بتوصيات باب المالية العامة مشفوعا بحسبة علمية للمبالغ التي يمكن أن توفرها ووفق السيناريوهين المحتملين.
بهذا الباب، وكون الموضوع بات قيد الدراسة والقرار حكوميا، فيمكن الإشارة إلى أن المجلس الاقتصادي يوصي بتخفيض مخصصات النواب والوزراء واقتطاع نسبة معينة من الرواتب المرتفعة لموظفي القطاع العام التي تتجاوز ألف دينار، على أن يستثنى من ذلك كافة كوادر القطاع الصحي بشقيه المدني والعسكري ومنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، باعتبار أن هذه الشرائح تتضاعف أعمالها وجهودها بهذه الظروف الطارئة وتقف بالصف الأمامي بمواجهة الوباء وإجراءات مكافحته.
التوصيات هنا عديدة ومفصلة بالأرقام والجدوى ويصعب تناولها بهذه العُجالة، قد يكون أهمها وأكثرها جدلا اقتراح تأجيل بدء صرف العلاوة السنوية لموظفي القطاعين العام والعسكري إلى العام المقبل، وتأجيل دفع فوائد الدين العام، وأيضا تجميد جميع النفقات الرأسمالية مع بعض الاستثناءات، وغيرها.
أما في دعم القطاعات الصناعية والخدمية فيوصي باستخدام قوة قانون الدفاع لخفض الإيجارات للمنشآت، وخفض كلف الفوائد البنكية على القروض بل وإعفاء المقترضين الصغار والمتوسطين من فوائد القروض، وضرورة وقف أمانة عمان والبلديات لتقاضي أي مسقفات للعام الحالي، والتحفيز الضريبي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بتأجيل تسديد مستحقات ضريبة المبيعات لتوفير السيولة، وإلغاء بدل الخدمات الجمركية على مدخلات إنتاج المصانع، وإعادة النظر بتكلفة الكهرباء وتعرفتها على القطاع الصناعي والتجاري، وغيرها من توصيات.
اعتقد أن المطلوب من الحكومة وسريعا وضع الخطة المقترحة من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي على طاولة البحث والتدقيق، وحسم جدوى المطروح فيها لتصبح خطة وطنية متكاملة قابلة للتنفيذ وسريعا.