على مراتب الأزمة!

هذه أزمة لم نشهد مثلها من قبل "أزمة كورونا" ليس من حيث عدد ضحايا الفايروس من أنحاء العالم، فقد تسببت الأزمات السياسية في منطقتنا وحدها بموت مئات الآلاف من الضحايا، وشردت الملايين، وإنما من حيث أزمة عالمية تجتاح البلدان التي جعلت العولمة وحدة واحدة، يتنقل بينها الأفراد بلا حدود، وتجمعها خطوط التجارة الدولية كأنها شبكة متصلة الأطراف.
أي نوع من المصطلحات سوف يستخدمها علماء التفكير والتخطيط و الإدارة الإستراتيجية، وإدارة الأزمات من الآن فصاعداً للتعبير عن المعاني و الأبعاد الحقيقة لأزمة من هذا النوع، من بعد أن رأوا بأُم أعينهم كيف تحول التعريف اليوناني القديم للحظة المرضية التي يتحول فيها المريض إلى الأسواء أو إلى الأفضل خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا إلى حدث يعيشه العالم بأسره في العام  على 2020؟
هل كان أحد من المتخصصين في العلوم الإستراتيجية ليتصور حدوث أزمة تصيب جميع الدول والشركات والمؤسسات على اختلاف مجالات أعمالها هكذا دفعة واحدة؟ ربما، ولكن مشهد الطائرات الرابضة على أرض المطارات، وإغلاق الحدود، وعزل المدن عن بعضها، كأنه نوع من الخيال، وتلك الشركات المعنية بالنقل والسياحة والفندقة، ليس بإمكانها الآن استخدام خططها التقليدية الجاهزة لإدارة أزمة أكبر منها ومن قدراتها بكثير، وأسهل ما يمكن أن تفعله هو التقليل من خسائرها الفادحة، بتسريح معظم العاملين فيها بطرق مختلفة!
ستكون الصين من الآن فصاعدا النموذج الأكثر نجاحا في إدارة أزمة الفايروس، وربما تحاول جميع الدول انتهاج الطريقة التي اتبعتها في التصدي لانتشار المرض على نطاق واسع على أرضها، ولعل إيطاليا هي النموذج الأسوء، وأوروبا الأكثر تضرراً، ولكن من المبكر الآن اطلاق الأحكام على نماذج بعينها.
ما يهمنا هو النموذج الأردني، فمصدر الخطر الرئيسي جاء من أردنيين عادوا إلى بلدهم من دول يتفشى فيها المرض، وهنا جاء الاختيار الصعب لقدرة الدولة على التعامل مع هذه الأزمة، في تصاعدية متكاملة من خلال جملة من الإجراءات الوقائية والعلاجية، بدت جدية صارمة، وأظهرت تفاعلا وانسجاماً تاماً بين أجهزة الدولة، بإشراف مباشر من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وعبر مركز إدارة الأزمات، والتوجيه المباشر للحكومة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وبشراكة تتنامى كل يوم بين القطاعين العام والخاص، وحملة مركزة لنشر الوعي لدى المواطنين والمقيمين، للحد من انتشار المرض.

مرة أخرى، من المبكر إطلاق الأحكام قبل أن تظهر النتائج النهائية لهذا الجهد الكبير، خاصة وأن البعد الدولي في معالجة الأزمة ليس حاضرا بعد بسبب عدم توفر لقاح معتمد ومتوفر في هذه المرحلة لمعالجة المرض، وإن كانت جميع مراكز الأبحاث العالمية تعمل في سباق مع الزمن من أجل تحضير اللقاح.
الدورس المستفادة كثيرة جداً، ولكن الدرس الأهم هو درس إدارة الأزمات الذي تم فهمه أكثر من أي وقت مضى، وذلك ما كنت أنادي به في معظم المقالات التي نشرتها حول التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية، وإدارة الأزمات والحوكمة في إدارة مؤسسات الدولة للتغلب على كل الأزمات، وفي مقدمتها الإقتصادية، وحين تنتهي "أزمة كورونا" يتوجب علينا مواصلة مفهوم إدارة الأزمة بالطريقة ذاتها، لمعالجة آثارها، ومعالجة غيرها من الأزمات.