ماذا يحدث في بورصة عمّان؟

في جلسة الاثنين، أغلق مؤشر بورصة عمّان عند مستوى 3423.34 نقطة، مرتفعًا بنسبة 1.66%، وهو أعلى مستوى يصل إليه السوق منذ تشرين الأول عام 2008 (الأزمة المالية العالمية)، حين تجاوز المؤشر حاجز 3400 نقطة.

مؤشر بورصة عمّان كان قد تجاوز (في أيلول الماضي) مستوى 3000 نقطة للمرة الأولى منذ عام 2008، فما الذي حدث ويحدث في بورصة عمّان؟ وما هو سرّ هذه العودة إلى الألق والنشاط في البورصة التي تُوصَف عادة بأنها «مرآة الاقتصاد».

باختصار شديد، وبعيدًا عن التحليلات النظرية - على أهميتها - فإنّ دلالات هذه الارتفاعات تتلخّص بالنقاط التالية:

1 - هناك عودة لروح التفاؤل لدى المستثمرين والمتداولين في بورصة عمّان، بعد سنوات من الحذر، والحذر الشديد أحيانًا، ومعظم أسبابه تتعلّق بما يجري في الإقليم من حروب، بدءًا من حرب الإبادة على غزّة، مرورًا بالحرب على لبنان وسوريا واليمن، وحتى حرب الـ12 يومًا بين إسرائيل وإيران، والاضطرابات عند «باب المندب».. فكل هذه النيران المشتعلة في الإقليم انعكست آثارها السلبية على كافة القطاعات الاقتصادية، فكان التعامل والتداول في البورصة على درجة كبيرة من الحذر.

2 - اليوم.. هناك عودة لروح التفاؤل، انطلاقًا من زيادة الضغوط العالمية لوقف العدوان على غزّة، والخطة المعلنة - رغم عدم التزام إسرائيل بها - ولذلك باتت التأثيرات الخارجية وانعكاساتها على المزاج العام أقل تأثيرًا على قرارات المتداولين في البورصة.

3 - ساعد في عودة روح التفاؤل مؤشرات اقتصادية مهمة تؤكد قوة ومتانة الاقتصاد الأردني رغم كل التحديات الإقليمية والعالمية، وفي مقدمة تلك المؤشرات: ارتفاع معدلات النمو وصولًا إلى 2.8% في الربع الثاني من العام، وتوقعات بلوغه 2.9% نهاية العام الحالي، إضافةً إلى تحسّن و/ أو استقرار التصنيف الائتماني للاقتصاد الوطني من قبل كبرى وكالات التصنيف الدولي، وفي مقدمتها (فيتش وموديز وستاندر آند بورز)، وكذلك اجتياز الاقتصاد الأردني للمراجعة الرابعة مع صندوق النقد الدولي، علاوة على تجاوز احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية مستوى تاريخيًا فوق 24 مليار دولار.. إلخ، من تلك المؤشرات الإيجابية التي زادت من ثقة المستثمرين في بورصة عمّان، وعزّزت الثقة بقوة ومتانة الاقتصاد الأردني.

4 - ممّا يؤكد على أن بورصة عمّان هي مرآة تعكس حال الاقتصاد المحلي، فقد انعكس التحسّن الملحوظ في نتائج الشركات المدرجة خلال الربع الثالث من العام الحالي (ارتفعت أرباح الشركات بنسبة تقارب 11% لتصل إلى نحو 1.7 مليار دينار)؛ انعكس ذلك التحسّن على قرارات المستثمرين وشجّعهم على تعزيز مراكزهم - خصوصًا في الأسهم القيادية.

5 - كذلك فإن تأسيس صناديق الاستثمار المشترك، وتخفيض عمولات التداول، والإعفاءات الضريبية التي أقرتها الحكومة، ساهمت في تعزيز السيولة ورفع مستويات الثقة لدى المستثمرين المحليين والأجانب، تمامًا كما شكّل التحوّل الرقمي الكامل نقطة تحوّل في كفاءة السوق وسرعة تنفيذ الأوامر ودقة الإفصاح - بحسب تصريحات المدير التنفيذي للبورصة مازن الوظائفي أمس الأول -.

6 - أضف إلى كل ذلك، فإن وجود سياستين مالية ونقدية حصيفتين، وتثبيت مستويات التضخّم، والحفاظ على استقرار الدينار.. كلّها أمور شجّعت تمامًا على استعادة الثقة، وعزّزت من جاذبية السوق، خصوصًا مع تزامن كل ذلك مع الإعلان عن مشروع موازنة العام 2026، إضافةً إلى قرب إعلان الحكومة عن برنامجها التنفيذي للمرحلة الثانية من رؤية التحديث الاقتصادي (2026-2029)، والتركيز في العام المقبل 2026 على حزمة من المشاريع الكبرى بحجم يصل إلى نحو (10 مليارات دولار) في مقدمتها: مشروع الناقل الوطني للمياه، ومشروع غاز الريشة، ومشاريع سكة الحديد، وغيرها من مشاريع الطاقة والمياه والبنية التحتية والنقل.

7 - ما يحدث اليوم في بورصة عمّان يؤكد أيضًا الدور الكبير الذي تلعبه إدارة بورصة عمّان وهيئة الأوراق المالية، وتنفيذهما لكثير من البرامج التوعوية والتحفيزية والتنظيمية التي ساهمت جميعها في الخروج من مرحلة المزاج الاستثماري الحذر إلى مرحلة التفاؤل وعودة النشاط والتفاعل الإيجابي مع بورصة عمّان.

* باختصار: متفائلون جدًا بعودة الألق والنشاط إلى بورصة عمّان (مرآة الاقتصاد الوطني)، ومتفائلون بزيادة حجم التداول والاقتراب أكثر من حاجز الـ4000 نقطة، وأكثر، وهذه ليست مجرد أمنيات وعواطف، بل هي قراءة ترى أن الواقع اليوم، وفقًا لكل ما أشرنا إليه في البنود أعلاه، يؤكد أنّ اقتصادنا الوطني يسير في الاتجاه الصحيح ضمن رؤية التحديث الاقتصادي 2033، وما أداء بورصة عمّان إلاّ تأكيد يعكس واقع الحال.