نتذكر في سيد المواسم بعض مخاتلات باعة الزيت الذين كانوا يسمون في زمن بعيد بالخَطارين، لأنهم يسافرون به من بلدة إلى أخرى. بعضهم كان يغش زيته بزيت نباتي. ولأن ضمائرهم كانت نصف حية؛ فقد كانوا يجنحون إلى المواربة، والتلاعب بالألفاظ، والتورية المنمقة لتسويق بضاعتهم. بعضهم يطلي رقابته بزيت زيتون بكر، لا تشوبه شائبة قبل أن يغادر بيته، وأحيانا يكحلون به عيونهم، أو يمسحون أطفالهم بطبقة رقيقة منه
عند البيع كلنا يعرف أن طاقة الفرج تنفتح للحرامي، إذا أتيح له أن يحلف يمين على صدق قوله ونقاء زيته. وهنا سنسمع أيمانا رنانة طنانة بكل النغمات، وسنسمع الطلاقات البائنة للزوجات البعيدات، وأنت لا تدري أنه طلق زوجته ثلاث مرات والنهار لم ينتصف بعد.
البعض منهم لم يصلوا لدرجة «الكوشكة» الكاملة والتصلب في الضمير، وما تزال بقية خضراء في جوانيتهم، هؤلاء يعمدون أن تكون أيمانهم هادئة لتبدو صادقة. لا سيما حين يقول على رقبتي زيت بلدي، على عيوني زيت بلدي، وإذا ظل المشتري متخوفا، فهنا يرفع الغشاش عقيرته بما يشبه الدعاء المبحوح «على أولادي زيت بلدي».
بالطبع فاليمين لا تكون إلا على نية سامعها، لا على فهلوة حالفها، ولكن لربما سنقول إن عجاج الطريق ربما يغطي الرقبة فيجعل يمينهم مختلة التوازن، أو أن ولداً من الأولاد قد نقعته أمه في لقن الغسيل ريثما ينال حماما ساخنا يخرج جلده السابع ويبطل يمين أبيه.
كل ما سبق، كان أيام البساطة والناس ذوي الضمائر نصف الكاوتشوكية، وقبل ظهور أساليب التسويق المنمقة على مواقع التواصل الاجتماعي التي يقع فيها الناس البسطاء الذي يعتقدون أن الآخرين صادقون مثلهم. ومع ذلك نحن لا نهاب أؤلئك الحرامية المغموسين باللصوصية الرخيصة لكننا نخاف من المطليين بشعارات تتلألأ كزيت أصيل. هؤلاء هم مقتلنا على مر الدهور ومنهم علينا أن نخاف ونضع أيادينا على قلوبنا.
أما غشاشو الزيت التافهين فعلى الحكومة أن تجد حلا معهم وعلى المواطن أن يكون حذرا.