بعد سنتين من القهر والحزن عاشها الأردنيون وهم يرون ما يتعرض له قطاع غزة من حرب همجية وإبادة جماعية وحصار وتجويع، ولا ننسى قبلها وبعدها الظروف المعيشية الصعبة والتحديات الحياتية التي يمرّ بها مواطننا الأردني.
هذا كله كفيل بأن يصنع حالة من الخوف والقلق، وأن يهيّئ أرضية من عدم اليقين وانعدام الثقة في المستقبل، وتجعل الأرض خصبة لمزيد من الاحتقان والغضب.
وقد شاهدنا حالة الانقسام والتجاذب المجتمعي في التعامل مع أية قضية مهما كان حجمها صغيرًا أو كبيرًا، والانجرار خلف الإشاعات والتشكيك أحيانًا، الأمر الذي يعكس حالة من التشتّت ومستوى الاحتقان والغضب الذي وصل إليه مجتمعنا.
والآن بعد هذه الحالة، وبعد أن وضعت الحرب على غزة أوزارها أو على الأقل غابت مشاهد الدماء والدمار عن الشاشات وخفّ الحصار قليلًا، وسط أمل وتفاؤل بأن يصمد أو تطول فترة وقف إطلاق النار، مما يتطلّب من الحكومة أن تلتقط فترة التقاط الأنفاس ونسبة الهدوء، وأن تسرع فورًا بأن تضمد جراح مواطنيها وتعالج أسباب خوفهم وحزنهم بجرعة إجراءات أو مسكّنات تهدّئ من روع الناس وتنسيهم آلامهم ولو مؤقتًا.
فلا مبرّر ولا أعذار أمام صيحات الناس ومطالبتهم بإعادة النظر بقانون السير والمخالفات المغلّظة في بعض مواده وحرمانهم من حقّهم في الاعتراض عليها أمام القضاء، وقبل ذلك لا بدّ من إصدار عفو أو إيجاد آلية للتعامل مع حجم المخالفات.
فلا يجوز أن نبقى نحلّ مشاكلنا على حساب المواطن دون البحث عن بدائل، وقد شاهدنا حجم الأنين على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وطأة وحجم المخالفات.
فمهما كانت التكلفة المادية كبيرة، مع يقيننا بأنها ليست كذلك، إلا أنها تبقى أمام الأثر قليلة ولا تُذكر.
ولا بدّ أيضًا من التعامل مع قضية التقاعد المبكر أو بمعنى آخر (القسري) بأسلوب أو إجراء يحدّ منه كرفع نسبة الاستثناء على الأقل، ونحن نرى حجم الضرر وتفاعل هذه القضية في الشارع الأردني التي أصبحت حديث الناس ومدار شكواهم وتذمّرهم.
نعم، قد ورثت الحكومة الحالية هذه التركة من إحدى الحكومات السابقة، لكنها تتحمّل وزرها في حال استمرارها العمل بهذا القرار، الأمر الذي يستدعي إلغاءه أو على الأقل تجميده لحين إجراء دراسات وحوارات حول أثره الذي أصبح غير خافٍ على أحد، سواء على المواطن أو السلم المجتمعي أو مؤسسة الضمان.
ولا بدّ أيضًا من فتح صفحة جديدة، ومنح جرعة من الأمل بإصدار قانون عفو عام يراعي حقوق الناس وعدم الإضرار بها، وكذلك استثناء بعض الجرائم كالقتل والاغتصاب والسطو والاعتداء على الأطفال، وأن تشمل القضايا التي يوجد بها صلح أو إسقاط أو لا تضرّ بحقوق الغير.
عفو يدخل الفرحة إلى قلوب الناس وينسيهم جزءًا من معاناتهم، ويكون بوابة نحو حياة تمكّنهم من مراجعة حساباتهم وتمكّنهم من الاستمرار والتطلّع إلى حياة أفضل.
ومع هذا كله فإننا لا نغفل جهود الحكومة وسعيها للنهوض بالوطن ومستوى الخدمات المقدّمة له بما لديها من خطط مستقبلية تعمل بكل طاقتها لتحقيق حياة أفضل، إلا أن التحديات والظروف التي تمرّ بها المنطقة قد أثّرت نوعًا ما على عامل الوقت.
إننا ننتظر من حكومة الدكتور جعفر حسان إجراءات تعيد التوازن إلى المزاج العام وتمنح الناس جرعة من الأمل وحالة من الهدوء حتى تتمكّن من السير بخططها وتحقيق إنجازاتها.