لا يمكن فهم الحملة الإسرائيلية المتصاعدة ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) خارج سياقها السياسي والتاريخي الأشمل. فالقضية لا تتعلق بخلاف إداري أو ادعاءات أمنية عابرة، بل بمحاولة منهجية لتقويض أحد الأعمدة القانونية والإنسانية التي تُجسّد استمرار قضية اللاجئين الفلسطينيين، بوصفها النتيجة المباشرة لنكبة عام 1948، والتي لم تُحلّ حتى اليوم. منذ تأسيسها بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، شكّلت الأونروا استجابة دولية لواقع إنساني فرضه التهجير القسري للفلسطينيين، ولم تكن في أي مرحلة سبباً في نشوء اللجوء أو استمراره. وعلى العكس، فإن وجودها يعكس اعترافاً دولياً ضمنياً بأن قضية اللاجئين لا تزال قائمة، وأن المسؤولية القانونية والأخلاقية عن هذا الواقع لم تُعالج وفق قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار 194. على مدى عقود، اضطلعت الأونروا بدور إنساني أساسي في مجالات التعليم والصحة والإغاثة، وأسهمت عملياً في تخفيف الأعباء عن القوة القائمة بالاحتلال، وفق ما يفرضه القانون الدولي الإنساني. غير أن التحول في الخطاب والسياسات الإسرائيلية، ولا سيما في المرحلة الأخيرة، كشف انتقالاً من إدارة هذا الدور إلى السعي لتجريمه ونزع الشرعية عنه، عبر اتهامات عامة لا ترقى إلى مستوى الدليل القانوني. إن تعميم الاتهام على مؤسسة دولية كاملة استناداً إلى شبهات طالت عدداً محدوداً من الموظفين، يتعارض مع المبادئ الأساسية للمسؤولية الجنائية الفردية، ويخالف قواعد العدالة والإنصاف. فالقانون الدولي لا يُجيز إدانة مؤسسة أممية أو تجفيف مصادر تمويلها دون تحقيق مستقل، شفاف، ومبني على أدلة مثبتة، وهو ما أكدته مواقف دولية وقرارات قضائية لاحقة. في هذا السياق، يبرز الادعاء بأن الأونروا «تُخلّد اللجوء» باعتباره محاولة لإعادة صياغة السبب والنتيجة. فاللجوء لم يستمر بفعل التعليم أو الإغاثة، بل بسبب غياب حل سياسي عادل، واستمرار الاحتلال، ورفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. ولو قامت دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، لانتهى دور الأونروا تلقائياً، كما انتهت أدوار وكالات مماثلة في نزاعات أخرى. أما الاتهامات المتعلقة بالمناهج التعليمية والتحريض، فتتجاهل حقيقة أن جذور العنف والكراهية تكمن في واقع الاحتلال نفسه، لا في النصوص التعليمية الخاضعة أصلاً لرقابة دولية. ولا يمكن تحميل مؤسسة إنسانية مسؤولية واقع سياسي وأمني هو نتاج سياسات طويلة الأمد. إن استهداف الأونروا لا ينفصل عن محاولة أوسع لإضعاف ملف اللاجئين بوصفه أحد ملفات الحل النهائي، وإخراجه من دائرة الاهتمام الدولي. غير أن هذا المسعى يصطدم بحقيقة قانونية وسياسية ثابتة: بقاء الأونروا هو انعكاس لبقاء القضية، وليس سبباً لها. وعليه، فإن أي مقاربة واقعية ومسؤولة تقتضي معالجة جذور الصراع، لا محاربة نتائجه الإنسانية. فالأونروا ستبقى ما بقي اللاجئون، وسيبقى اللاجئون ما لم يُنجز حل عادل وشامل، يستند إلى القانون الدولي، ويضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بعيداً عن منطق الإلغاء أو الإنكار.