إدارة الأزمة التعليمية في الأردن: الجامعة بين الرسوم والمساواة

في كثير من دول العالم تُعدّ الجامعات الحكومية مرفقًا تعليميًا مجانيًا أو شبه مجاني يهدف إلى ضمان حق المواطنين في التعليم العالي دون أن تكون القدرة المادية حاجزًا أمام المواهب، غير أن الواقع في الأردن يبدو مختلفًا، فالتفاوت الكبير في رسوم بعض التخصصات داخل الجامعات الحكومية يجعلها لا تختلف كثيرًا عن الجامعات الخاصة، وهو ما يثير تساؤلات جوهرية حول فلسفة التعليم العام ومبدأ تكافؤ الفرص، فكيف يمكن أن تبقى الجامعة الحكومية ملاذًا لأبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة إذا أصبحت الدراسة فيها عبئًا ماليًا يوازي عبء التعليم الخاص؟.

إن التبرير المتكرر بأن ارتفاع التكاليف التشغيلية هو ما يدفع الجامعات إلى رفع الرسوم قد يبدو منطقيًا في الظاهر، لكنه يظل حجة غير كافية أمام حقّ المواطن في تعليم عادل ومتوازن فبدل أن يُحمَّل الطالب أعباء إضافية، يمكن التفكير في حلول تمويلية وطنية أكثر عدالة، مثل دعم الجامعات من خلال صناديق تنمية التعليم، أو تفعيل الشراكات مع القطاع الخاص، أو إعادة توجيه الدعم الحكومي بحيث لا يُقاس فقط بعدد المقاعد بل بجودة المخرجات إن التعليم ليس سلعة بل استثمار طويل المدى في استقرار الدولة ونموها، وأي اختلال في هذا الميزان سيقود بالضرورة إلى مجتمع منقسم بين من يملك كلفة التعليم ومن لا يملك سوى حلمه.

وفي خضم هذا الواقع، جاء قرار الجامعات الأردنية مؤخرًا بفرض امتحانات تحديد مستوى في اللغة العربية والإنجليزية والحاسوب على الطلبة الجدد، خطوة قُدّمت على أنها وسيلة لتحديد قدرات الطلبة ووضعهم في مساقات تعويضية مناسبة، لكنها في نظر كثيرين كشفت أزمة ثقة عميقة في مخرجات المرحلة الثانوية، وكأن الجامعات تقول صراحة إنها لا تثق بالنظام الذي يسبقها إن كان الهدف تطوير المستوى الأكاديمي للطلبة فهذا أمر محمود، لكن ما يحدث فعليًا هو زيادة أعباء مالية وإجرائية على الطالب، إذ يجد نفسه مطالبًا بدفع رسوم إضافية والتفرغ لاجتياز اختبارات لم يتلقَّ أصلًا تدريبًا خاصًا لها، وكأنه يُعاقب على ضعف النظام التعليمي بأكمله.

ثم يبرز سؤال أكثر حساسية يتعلق بعدالة هذه الإجراءات، فالجميع يعلم أن فئات المكرمات وأبناء المعلمين يتم قبولهم غالبًا بمعدلات أقل من غيرهم، ومع ذلك يحصلون على الدراسة مجانًا، وهم أيضًا يتقدمون لهذه الامتحانات مثل بقية الطلبة، لكن المنطق يقول إن الأجدر أن تكون هذه الاختبارات موجّهة أساسًا لتقييم مستواهم الأكاديمي قبل غيرهم، فهم الأكثر حاجة لمعرفة نقاط ضعفهم وسدّ الفجوات التعليمية لديهم، لا أن تُفرض الأعباء الإضافية على الطالب الذي بذل جهدًا كبيرًا لتحقيق معدله العالي ودفع رسوم تعليمه من ماله الخاص إن العدالة التعليمية لا تتحقق بإجراء موحد للجميع، بل بالتمييز الإيجابي الذي يدعم من يحتاج فعلاً إلى الدعم ويخفف العبء عمّن أثبت كفاءته.

إن اختبارات المستوى قد تكون في جوهرها أداة تطويرية إذا استُخدمت كوسيلة لدعم الطالب لا لمعاقبته، لكن الطريقة التي تُنفّذ بها اليوم تجعلها عبئًا إضافيًا في وقت يرزح فيه الشباب تحت أثقال مالية ونفسية متزايدة فبين رسوم التخصّصات الباهظة، والبطالة المتنامية بين الخريجين، ونقص فرص التدريب الحقيقي، يجد الطالب نفسه أمام سلسلة من الاختبارات التي لا تقيس مهارته بقدر ما تكشف عن خلل في السياسات التعليمية المتراكمة.

المسألة ليست في وجود امتحان أو عدمه، بل في فلسفة التعليم التي يجب أن تنطلق من مبدأ المساندة لا التحدي فلو وُجهت هذه الاختبارات لتحديد الاحتياجات التعليمية فقط، مع توفير دورات دعم مجانية داخل الحرم الجامعي، لأصبحت وسيلة إيجابية تُسهم في رفع مستوى التعليم الجامعي لكن حين تُربط بالرسوم والتأجيل والمقررات التعويضية المكلفة، فإنها تتحول إلى أداة تمييز جديدة تضعف ثقة الطالب بمؤسسته التعليمية.

يبقى التعليم في جوهره حقًا لا امتيازًا، ومؤشرًا على نضج الدولة وعدالتها والجامعات، بوصفها بيت العقل الوطني، مطالبة بأن تحافظ على هذا المبدأ وأن توازن بين تحسين الجودة والحفاظ على العدالة أما استمرار رفع الرسوم وفرض الاختبارات الإضافية دون إصلاح جذري لمنظومة القبول والمكرمات، فإنه لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإحباط وهجرة العقول إننا بحاجة إلى مراجعة شاملة تجعل الجامعات الأردنية مرآة لكرامة الطالب لا عبئًا على كتفيه، وتعيد إلى التعليم معناه الحقيقي بوصفه طريقًا للتحرر لا وسيلة لإعادة إنتاج التفاوت الطبقي.