السابع من أكتوبر 2023، يومٌ فارقٌ في تاريخ العصر الحديث، ومنذ اليوم الأول قيل إن ما بعد 7 أكتوبر لن يكون كما قبله، وهذا ما حدث بالفعل ويحدث اليوم بعد عامين على حرب الإبادة بالتمام والكمال. اليوم، ونحن نشهد – بعد مرور عامين – بوارق أمل بأن تفضي «محادثات القاهرة» إلى اتفاقٍ حقيقي لوقف العدوان على غزّة، وإيصال المساعدات السريعة لإنقاذ من تبقّى من أهل غزة العزّة، يحق لنا أن نستعرض المشهد ونسأل: ما الذي تحقق على مدى العامين الماضيين؟ نحاول التلخيص بالنقاط التالية: 1 - باستعراض شريط الأحداث، نجد أن إسرائيل منذ اليوم الأول قد استغلّت ما جرى يوم 7 أكتوبر 2023 أبشع استغلال لتعلنها «حرباً وجودية»، لتوسّع حربها في الإقليم، خصوصاً بعد أن حصلت على دعمٍ كامل من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الغربية. 2 - ما حققته حكومة نتنياهو المتطرفة على مدى العامين الماضيين – على الأرض – هو جعل غزّة مكاناً غير قابلٍ للحياة، فقد دمّرت البُنى التحتية كاملة، فكانت الحصيلة أكثر من ربع مليون شهيدٍ وجريحٍ ومفقودٍ تحت الدمار، مستخدمةً أكثر الأسلحة فتكاً وأبشع صنوف الحروب وأحقرها من تجويعٍ وتعطيشٍ وحصار. 3 - على الصعيد الإقليمي، توسّعت إسرائيل إقليمياً، فاحتلّت – ولا تزال – أجزاءً من جنوب لبنان وجنوب سوريا، واعتدت على اليمن، وخاضت حرب الـ12 يوماً مع إيران. 4 - استغلّت إسرائيل الحدث فدمّرت مخيمات الضفة الغربية، وزادت من اقتحامات الأقصى، وتوسّعت في بناء المستوطنات. هذا ما حققته إسرائيل على مدى عامين فقط: مزيدٌ من القتل والإبادة والدمار. ولكن في المقابل، فإن إسرائيل مُنيت بخسائر فادحة لن تستطيع تعويضها في العقود القادمة، وفي مقدمتها: أ) حكومة نتنياهو فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة بالقضاء على حماس وباستعادة الرهائن بالقوة؛ فحماس (الفكرة) باقية، حتى وإن نجحت إسرائيل في اغتيال عددٍ من قادة حماس وقادة حزب الله، كما أنها لم تقدر على استعادة رهائنها إلا بالمفاوضات. ب) إسرائيل بعد عامين فقدت التعاطف الدولي، فتراجعت حكومات عن تزويدها بالسلاح، وباتت القضية الفلسطينية أقوى بكثيرٍ مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر، فعدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية في ازدياد. ج) أكبر هزيمةٍ لإسرائيل خلال العامين الفائتين اهتزاز صورتها التي أنفقت عليها مئات المليارات لتبدو الدولة الديمقراطية العصرية، لتنكشف الأكذوبة أمام العالم، وتظهر إسرائيل ككيانٍ مجرمٍ يقتل الأطفال والنساء (وهذا من أعظم فوائد السوشيال ميديا التي قلبت السحر على الساحر)، ولتحاكَم إسرائيل لأول مرّة أمام محكمة العدل الدولية، ويُطارَد مسؤولوها أمام «الجنائية الدولية». فشلت إسرائيل فشلاً ذريعاً في تحقيق مخططات التهجير، وهنا يجب التوقف عند الموقف الأردني الصلب والثابت والراسخ منذ اليوم الأول، والذي كان له الدور الكبير في «منع التهجير»، وفي الوصول إلى «بارقة أمل» بتوقف الحرب وإنهاء حرب الإبادة. ولذلك لا بد من استعراضٍ سريعٍ لمحطاتٍ فارقة في الموقف الأردني تجاه حرب الإبادة على غزة والضفة، نلخّصها بالنقاط التالية: 1 - الموقف الأردني حدّده جلالة الملك عبدالله الثاني منذ اليوم الأول بلاءاتٍ ثلاث: «لا للتهجير – لا للتوطين – ولا للوطن البديل»، وصمد الأردن وحقق ما أراد بفضل ثبات الموقف وحنكة الملك ومكانته لدى قادة العالم، والتنسيق المتواصل مع قادة الدول الشقيقة والصديقة. 2 - خاض الأردن حروباً على مدى عامين انتصر فيها، وكان نصره عوناً للأهل في غزة وعموم فلسطين، ومنها: أ) حرب دبلوماسية: نجح الأردن خلالها في إقناع دولٍ عديدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وحلّ الدولتين. ب) حرب إعلامية: واجه الأردن خلالها السردية الإسرائيلية الكاذبة والمضللة، وساهم ذلك بصورةٍ وبأخرى في تحريك الشارع الغربي وتغيير مواقف مؤسساتٍ إعلاميةٍ غربيةٍ مؤثرة. ج) حرب عسكرية: على مدى العامين، كان – ولا يزال – الجيش العربي المصطفوي على امتداد الجبهات شمالاً يواجه تجار السلاح والمخدرات، وغرباً على امتداد الحدود يرصد تطورات الأحداث، وعلى كامل ثرى الأردن وأجوائه وبحره يحمي الوطن، رافضاً أن يكون الأردن ساحة حربٍ لأي طرفٍ في الإقليم. هذا عدا الدور الأردني الأبرز والأكبر كجسر مساعداتٍ إنسانيةٍ للأشقاء في غزة. *باختصار: بعد عامين من حرب الإبادة على غزة، ونحن نحيّي صمود الأهل في غزة والضفة وفلسطين، هذا الصمود الأسطوري الذي هزّ ما تبقّى من ضمائر العالم، وحال دون التهجير القسري، نقول كما قال جلالة الملك عبدالله الثاني في خطابه الأخير في الأمم المتحدة مناشداً الضمير العالمي: «الوقت قد حان.. ويجب على الأمم المتحدة أن تلبي هذا النداء حتى يصبح السلام واقعاً.»