يشكل الاعتراف الأخير من عدد من الدول بدولة فلسطين خطوة كبيرة ومهمة لتحقيق العدالة الدولية وإنصاف الشعب الفلسطيني وحماية الحقوق التاريخية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ويحمل رسائل سياسية واضحة ومباشرة إلى إسرائيل والمجتمع الدولي، تؤكد ضرورة الالتزام بالشرعية الدولية، واحترام القانون الدولي وإرادة الشعوب . وكانت رسالة الاعتراف واضحة على المستويين العربي والدولي، وهي أن على إسرائيل الانصياع للشرعية الدولية وأن التحدي الإسرائيلي المستمر، والمدعوم أميركيًا، يمثل العقبة الدائمة أمام تحقيق السلام وهذا الاعتراف يعد خطوة مشجعة وتاريخية، ويعكس أهمية التنسيق الفلسطيني العربي خلال الفترة الماضية، خاصة مع مصر، والسعودية، والأردن، على مختلف المستويات . العالم لم يعد يتعامل مع إسرائيل إلا كدولة منبوذة، خارجة عن القانون الدولي، وأن الجهود الفلسطينية والعربية نجحت في ترسيخ هذه الرؤية، مما دفع حتى حلفاء الولايات المتحدة وفي مقدمتهم بريطانيا، التي ساهمت تاريخيًا في إقامة إسرائيل إلى التراجع عن مواقفهم السابقة وأن الاعتراف بدولة فلسطين هو اعتراف بالشرعية الدولية، وحقوق الشعب الفلسطيني، وهويته الوطنية، وتبقى المشكلة الكبرى في سياسة الإدارة الأميركية التي تتحمل مسؤولية استمرار الحرب في قطاع غزة . لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تتحدث عن الأمن والسلام والتعاون الدولي والعدالة والحقوق، في ظل استمرار الظلم والهيمنة وسرقة ثروات الشعوب، وارتكاب المجازر بحق المدنيين، وخاصة ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من إبادة جماعية وتطهير عرقي في قطاع غزة وخاصة ان الشعب الفلسطيني ما زال، منذ 77 عاما، يعاني ظلما تاريخيا منذ النكبة عام 1948، وما تلاها من اقتلاع وتشريد . وتشهد الأراضي الفلسطينية، وخاصة قطاع غزة، منذ أكثر من 700 يوم أبشع صور القتل والدمار في العصر الحديث، حيث قتل وجرح نحو ربع مليون مواطن، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، وتم تشريد مليوني مواطن، وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة، ومحو أكثر من 90 عائلة من السجل المدني . المشكلة الأساسية اليوم ليست فقط في إسرائيل، بل في مواقف الإدارة الأميركية التي استخدمت حق النقد الفيتو مؤخرا بينما صوتت 14 دولة من بينها بريطانيا وفرنسا ودول دائمة العضوية في مجلس الأمن لصالح وقف إطلاق النار، ووقفت الولايات المتحدة موقفا مريبا، رغم أن الطلب الوحيد كان وقف الحرب والإبادة المستمرة في غزة . وباتت الإدارة الأميركية تفقد الكثير من حلفائها بسبب سياساتها التي لم تحقق أمنا ولا استقرارا في المنطقة بل تشعل فتيل الحروب وتنشر الكراهية بسبب دعمها المطلق لحرب الإبادة الإسرائيلية بل وتمويلها عسكريا وماديا متحدية كل العالم ومصرة على الاصطفاف مع القتل والدمار والخراب، وفي المحصلة النهائية يبقى الخيار واضحا إمام العالم اجمع أنه لا أمن في المنطقة دون حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه وتقرير مصيره وإنهاء الاحتلال الغاشم للأراضي الفلسطينية المحتلة . وفي ظل مواصلة الاعترافات بدولة فلسطين بات يشهد العالم حراكا سياسيا داعما لنضال الشعب الفلسطيني حيث تنطوي الخطوة على رمزية سياسية وتاريخية مهمة، وتمثل بداية لحركة سياسية أوسع في إطار المجتمع الدولي الذي أصبحت أغلبيته، بنسبة تصل إلى 80% من الدول، تعترف رسميا بالدولة الفلسطينية كون أن الاعترافات المتتالية ترسخ الدولة الفلسطينية وأن دعم القضية الفلسطينية لم يعد مقصورا على الدول العربية فحسب، وإنما بات دعما عالميا .