تُعدّل الشمس من سلوكها اليوم، فتعود فوق خط الاستواء تقسم العالم شمالًا وجنوبًا، ويسميه الناس الاعتدال الخريفي. من هذا الاعتدال يبدأ خريف العالم كل عام. شاخت قضية فلسطين، ومضى من عمرها نحو 80 اعتدالًا ولم يعتدل العالم بعد. هذا عام مختلف، ففي يوم الاعتدال الخريفي تصحو القارة العجوز، أوروبا التي تسببت وعودها وسياستها في نكبة فلسطين والعرب منذ نحو قرن من الزمان لتقف فوق خط الاعتدال من جديد. أوروبا التي منحت اليهود وطنًا في فلسطين، التي ليست ملكها أصلًا، تدرك اليوم أن إسرائيل تريد كل فلسطين بل وأجزاء من جوار فلسطين، وإلى الأبد. لم يبقَ سوى الإدارة الأمريكية الحالية من يسعى إلى جانب حكومة الاحتلال، لأن يكون اليوم نهاية للحق الفلسطيني والحلم الفلسطيني.. أن يبدأ خريف فلسطين الأخير. لكن، ومع غرة خريف هذا العام، سيعود الأمل الفلسطيني أكبر مما مضى، وستشيخ الغطرسة والهيمنة والأحلام العنصرية الدينية والسياسية والعرقية.. سيبدأ خريف الاحتلال. صوت أوروبا مهم لأنها أصل الداء، ولأنها وقفت على مدى قرن كامل في الجانب المظلم من تاريخ القضية الفلسطينية، مع الظالم دون قيد أو شرط. موقف أوروبا الجديد، ولا سيما الدولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن، وكذلك كندا وأستراليا ودول أخرى إلى جانب الحق العربي في فلسطين، تطور مهم في يوم الاعتدال الخريفي. من أوروبا نشبت حربان عالميتان شهدت فيهما البشرية أبشع جرائم القتل والدمار الشامل. نتيجة للحرب الأولى تأسست عصبة الأمم، ونتيجة للثانية تأسست هيئة الأمم المتحدة، وكلاهما قامت من أجل حفظ السلم والأمن ومن أجل العدالة الدولية. لا عصبة الأمم ولا هيئتها المتحدة أنصفت الفلسطينيين منذ ذلك الحين، بل ما زلنا ندفع حتى اليوم ثمن وعد بلفور ومؤتمر فرساي. في نيويورك، وفي يوم الاعتدال الخريفي سيُعقد مؤتمر لحل الدولتين بقيادة سعودية فرنسية، وستنضم الدول المعترِفة الجديدة إلى قائمة تضم 142 دولة تعترف أصلًا بفلسطين، ولن يكون في الطرف الآخر سوى الولايات المتحدة وإسرائيل. قبل عامين تقريبًا، وفي اليوم التالي للسابع من أكتوبر، كان قادة أوروبا أول المتعاطفين مع إسرائيل. زاروها وزودوها بالمال والسلاح، وفي اليوم ذاته كانت الولايات المتحدة وما زالت -فيما يبدو- تشجع التهجير وتصفية قضية فلسطين. منذ ذلك الحين استشعر الأردن الخطر الكبير. تحرك جلالة الملك ومن خلفه دبلوماسية أردنية نشطة في كل العالم وفي الغرب تحديدًا، شارحًا ومحذرًا ومدافعًا عن الحق الفلسطيني: الاحتلال والقمع والظلم وإنكار الحقوق المشروعة هي أسباب كل ما يجري، والسابع من أكتوبر نتيجة وليست سببًا. الحكومة المتطرفة في إسرائيل تريد أن تأخذ العالم رهينة لسياساتها العنصرية وتفجر صراعًا شاملًا في المنطقة والعالم. الغرب يدعم الخروج على الشرعية الدولية، والقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، ويمارس ازدواجية المعايير إزاء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني. الحل الوحيد للصراع هو حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. في البرلمان الأوروبي، مثلما في الزيارات المتكررة لعواصم القرار في الغرب والعالم وكذلك تطورات الأحداث على الأرض والتحولات في العلاقات الدولية، وضع الملك دول العالم، ولا سيما أوروبا، أمام مسؤولياتها سياسيًا وتاريخيًا وأخلاقيًا. لن تقوم الدولة الفلسطينية غدًا انطلاقًا من الاعتدال العالمي الجديد، لكن أحلام نتنياهو والمكان الذي يحلم به تحت الشمس ستبقى أحلامًا، وسيكبر الأمل الفلسطيني يومًا بعد يوم رغم المأساة.