جرائم المستعمرة ستدفع ثمنها

ليست حالة الانحدار الإسرائيلية المتتالية، حصيلة رغبة إسرائيلية أو فلسطينية، أو من طرف أصدقائها، أو بتخطيط من قبل أعدائها، بل هي حصيلة تصادم: فعل فلسطيني إسرائيلي أساساً، وتداعياته العربية، وامتداداته الدولية العابرة للحدود.
لقد أقيمت المستعمرة ومشروعها التوسعي بشكل تدريجي متعدد المراحل، بدءاً من المؤتمر الصهيوني عام 1897، مروراً بوعد بلفور عام 1917، وإعلان الدولة عام 1948، والتوسع واحتلال كامل خارطة فلسطين عام 1967، وهكذا مروراً بكل الاتفاقات الثنائية والجماعية: كامب ديفيد، وادي عربة، أوسلو، ومع ذلك تتوفر تناقضات مع هذا التراكم التدريجي من الإنجازات الإسرائيلية لصالح مشروعها التوسعي، تتمثل بتعارضات متصادمة مع برنامجها ومجمل مشروعها، وهي إنجازات فلسطينية تراكمية تشكل حالة التناقض مع مشروع المستعمرة الإسرائيلية، لصالح مشروع الحرية والاستقلال والعودة الفلسطيني.
والانتفاضة الثانية عام 2000 توجت بالرحيل الإسرائيلي عن قطاع غزة بعد تفكيك المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال عام 2005، وليست نهايتها عملية 7 أكتوبر 2023، وتداعياتها التي فجرت الدمامل الكامنة، وكشفت حقيقة الصراع وامتداداته العابرة للحدود التي عرّت أطماع مشروع المستعمرة التوسعي نحو لبنان وسوريا واليمن وقطر، واختصاراً لما قاله نتنياهو بمسألتين جوهريتين: الأولى أن «فلسطين نقيض إسرائيل»، والثانية العمل على «تغيير خارطة الشرق الأوسط».
كشفت معركة 7 أكتوبر وتداعياتها فحوى حالة الصراع وأبعاده وخطورته على مجمل العالم العربي ونظامه، فالقصف والاعتداء الإسرائيلي على السيادة القطرية يوم 9/9/2025، كدولة وسيطة، تحظى بعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، دالة على مدى همجية المستعمرة الإسرائيلية، وعدم رغبة الفريق الحاكم لديها المكون من: الأحزاب السياسية اليمينية المتحالفة مع الأحزاب الدينية اليهودية المتشددة، في وقف الحرب بل مصلحتهم في استمرارها، ولا مصلحة لهم بأي تسوية سياسية، بل يعملون مستغلين المعطيات القائمة فلسطينياً بالانقسام، وعربياً بالضعف، ودولياً حرب أوكرانيا في استنزاف روسيا، كي تفرض المستعمرة برنامجها ورؤيتها والتوسع في مشروعها، ولكن هل هذا يسير كما تشتهي قيادة المستعمرة، وهل خياراتها المتطرفة تحقق ما تسعى إليه؟؟
لقد تمكنت من قتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وتدمير قطاع غزة لجعله لا يصلح للحياة الطبيعية، وتستبيح سيادة لبنان وسوريا واليمن وتطاولت على إيران، ولكنها فشلت في تحقيق هدفها في قطاع غزة إلى الآن؛ فشلت في:
1 - إنهاء المقاومة الفلسطينية وتصفيتها.
2 - معرفة أماكن الأسرى الإسرائيليين وإطلاق سراحهم من دون عملية تبادل.
إخفاقات المستعمرة الإسرائيلية رغم تفوقها العسكري تسير بشكل متدرج، وخاصة على المستوى الرسمي العربي، مسببة الحرج للنظام العربي، بفعل مذابح غزة، وبفعل الاعتداء على قطر، ومسببة الحرج لأوروبا التي ساهمت في صناعتها، حيث تسير باتجاه سياسات واقعية متدرجة مهما بدت بطيئة لصالح فلسطين، وضد سلوك المستعمرة وهمجيتها.
المستعمرة لن تُهزم بالضربة القاضية، ولكنها تسير نحو حتفها ونهايتها كجنوب أفريقيا وكافة البلدان الاستعمارية المماثلة، بشكل تدريجي متعدد المراحل، وكل ضربة موجعة للفلسطينيين، وللعرب، وكل إخفاق وتراجع وجريمة تقترفها تدفع بها نحو نهايات محتمة لتراجعها وانحسارها وصولاً لهزيمة برنامجها الاستعماري التوسعي برمته.