كانت بعض الشعوب البدائية تفسر حدوث الزلزال بطريقة فنتازية مضحكة، فالأرض باعتقادهم محمولة على قرن ثور يمخر عباب الفضاء لاهثاً بسرعة، ولكنه حين يريد أن يريح قرنه، يقذف كرة الأرض إلى قرنه الآخر، فيحدث الاهتزاز ونتزلزل فوق صفحة الأرض.
وحين كان يخسف القمر كانت تلك الشعوب ترتعب، ومنها العربية، فتدق الطبول والأواني والصواني وتعلي الصراخ والصياح، لأن الحوت الذي يطارد القمر، ظفر به وابتلعه، ولهذا يحاولون أن يرعبوه بقرقعة المعادن وضجيجها، كي يترك قمرهم الجميل في سبيله.
منذ بضع ليال والقمر المتنامي يرعى قطعان الغيم بوداعة في سماء أيلولة نادرة الجمال. ولأننا لا نشعر بقيمة الأشياء، إلا حين يحجبها عنا حجاب، ولأننا لا نتذكر أصابع الحبيب وموسيقاها في أوتار أرواحنا، إلا حين يغيب، فكذلك نحن لا نلتفت إلى القمر، إلا إذا خسف، أو غطاه دخان بركاني. ياااااه ما أتعس اعتياد الأشياء الجميلة. ولهذا نخسر كثيراً، إذا لم نعش لحظاتنا بحذافيرها بعمق عميق.
النهار لم يكن يكفي، ولهذا تاق أجدادنا إلى اكتمال القمر في الحصيدة، كي يتابعوا أعمالهم على بيادر القمح. كان ينير لهم ويؤنس وحدتهم ويذكرهم بقمر بعيد. وكان ثمة موال يشق عباءة الليل فيصل بشجنه إلى بنات نعش (أربع نجوم على شكل مربع في مجموعة الدب القطبي). مع العلم أن عشاق أيام زمان، كانوا لا يحبون القمر بدراً؛ لأنه يفضح تحركاتهم الليلية.
الليلة سيكون قمرنا على موعد مع بطن الحوت، سيخسف لفترة طويلة، ولكننا لن ندق جدران الخزان، ولن نطرق الطناجر، لأننا لو أردنا أن نطرق على المعدن كلما أكل حوت من حيتاننا شيئاً لظللنا بين الطناجر والخزانات. ولهذا أدعوكم أن تتناسوا حيتاننا الأرضية، فهي إن بلعت شيئاً لا تظهره، بل تطير به إلى بلاد الواق واق.
بعكس حوت السماء الشفيف، الذي سيظهر قمرنا المبلوع قرصاً دموياً نحاسياً يميل للحمرة. أريدكم أن تتابعوا هذا الجميل بالعين والقلب، فهو يذكرنا بأن نحب أحبتنا، كما ينبغي، فهناك ثمة خسوف يتربص بنا.