الأردن وإسرائيل: أربعة احتمالات واردة

كيف تفكر إسرائيل تجاه الأردن في المرحلة القادمة؟ الإجابة معروفة، عبّرت عنها روايات المخيال الديني التلمودي و»الأحلام السياسية» التي وردت على لسان معظم مسؤولي اليمين المتطرف، الواقع القائم، أيضاً، يؤكد ذلك، ما حدث وما يحدث في الضفة الفلسطينية يشير بوضوح إلى أن محاولة تصفية القضية الفلسطينية ربما تكون على حساب الأردن، هذا، بالطبع، ليس قدراً لا يمكن رده، ولكنه مخطط في سياق مشروع كبير يستهدف المنطقة، ونحن جزء منها، وبالتالي لسنا في منأى عنه، وعلينا أن نستعد له، ونفهم، تماماً، قنوات تصريفه، ونمتلك أدوات مواجهته، ونتوحد لإفشاله.

‏لكي نفهم أكثر، لدينا تجربة تكشف ما فعلته إسرائيل، خلال العامين الماضيين على الأقل، هذه التجربة تستند إلى استراتيجية استخدام «فائض القوة» العسكرية والسياسية والإعلامية لإخضاع الخصوم، يتم تنفيذها على مراحل، وتُختَلق من أجلها الذرائع، وتُوزَع بموجبها الأدوار، ما حدث في لبنان وسوريا، وقبلها إيران واليمن، وما سيحدث لاحقاً في أمكنة أخرى، ناهيك عما جرى في غزة والضفة الفلسطينية، يضعنا أمام صورة ما يفكر به «الوحش الإسرائيلي» لنصب الأفخاخ تمهيداً للانقضاض على أهدافه.

‏على صعيد بلدنا، أشير إلى أربعة احتمالات ربما تشكل عناصر التفكير الإسرائيلي تجاه الأردن، الاحتمال الأول: محاولة اختراق الجبهة الداخلية وزعزعتها وصولا إلى إنتاج حالة أمنية لمواجهة الفوضى، كيف؟ هذا يحتاج إلى نقاش طويل؛ في أي مجتمع يمكن أن تتوفر أو تُصنع نوافذ أو ممرات، أزمات اقتصادية أو اجتماعية، مظلوميات وصراعات هوية، أدوات رخيصة، تسمح بإدخال أو تمرير موجات العبث وخلط الأوراق وافتعال الانقسامات، أما لماذا؟ الأسباب كثيرة، أبرزها تكسير صورة الدولة في أعين الداخل والخارج لانتزاع ما تحظى به من احترام، تقمص دور المنقذ أو المساعد لطرف أو أطراف معينة، استثمار حالة الضعف لفرض تقديم ما يلزم من تنازلات.. الخ.

‏الاحتمال الثاني : تصريف او تفريغ خزان السكان من الضفة الفلسطينية إلى الأردن عبر قنوات التهجير القسري أو الطوعي، هذا وارد إذا اكتملت عملية ضمّ الضفة وأخذت موافقة واشنطن، استدعاء الوطن البديل ومحاولة فرض التوطين، ستصطدم، بالتأكيد، بموقف أردني رافض وصلب، كما عبر عن ذلك الملك في لاءاته الثلاثة، لكن لدى تل أبيب أوهام قد تدفعها إلى محاولة فرض الأمر الواقع، هذا احتمال قائم ويجب أن نضعه على طاولة النقاش الوطني، ونتوافق على تجهيز خطط عملية للتعامل معه، ومواجهته وإحباطه. 

‏الاحتمال الثالث : نبش الأفكار الميتة ؛ فكرة الكونفدرالية، الخيار الأردني، الضم الإداري، وكلها تقوم على مبدأ إلغاء إقامة الدولة الفلسطينية، والبحث عن فضاء آخر يمنح الفلسطينيين مشروعاً بديلاً على حساب الأردن، يستند هذا الاحتمال إلى اعتبارات تاريخية وسياسية تروج لها إسرائيل منذ وقت بعيد، وتجد، للاسف، من يقبلها من دعاة المحاصصة وغيرهم، سبق، وفق معلومات، أن وجه كيسنجر لأحد المسؤولين الأردنيين نصيحة بأن كلفة إدارة الضفة الغربية من قبل الأردن ستكون اقل بكثير من كلفة أي خيار آخر تفكر به إسرائيل لحل القضية الفلسطينية بما يتعارض مع المصالح الأردنية، النصيحة آنذاك قوبلت بالرفض المطلق.

‏الاحتمال الرابع : محاولة مقايضة ملف الوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية بملفات أخرى من باب الضغط على الأردن، هذا ملف مهم بالنسبة للأردن ولا يخضع للنقاش او المقايضة، لكن ما يحدث الآن في الأقصى يشير بوضوح إلى عبث إسرائيلي متدرج ومدروس في هذا الملف، مما سيرتب على الأردن أعباءً جديدة وكبيرة، علما أن» الوصاية « تحظى بدعم عربي وإسلامي ودولي، ويمكن للأردن أن يستخدم ورقة الدعم السياسي والديني، أو أن يضع هذا الملف في عهدة منظمة التعاون الإسلامي لانتزاع موقف يمثل نحو ملياري مسلم ومسيحي، كما يمكن استخدام أوراق سياسية أخرى يمتلكها لكبح هذا المخطط الصهيوني الخطير.

‏بأقل الكلام، هذه الاحتمالات الأربعة في سياق ما تفكر به إسرائيل وما تحمله من نوايا تجاه الأردن واردة، سؤال الوقت : كيف نواجه هذه الاحتمالات؟ اترك الإجابة لمن يعنيهم الأمر، لكن، في تقديري، لدى إدارات الدولة ما يلزم من خطط للتعامل معها، يبقى أن تجد لدى الأردنيين، النخب والقوى السياسية تحديداً، ما يلزم من إرادة وجهد وطني للنقاش حولها في إطار معركة الوعي على الأردن، وهي أهم المعارك التي يجب أن يخوضها الأردنيون لحماية بلدهم والدفاع عنه.