حلّ جلالة الملك عبدالله وولي عهده الأمير حسين ضيفين على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مدينة «نيوم» التي تعد دُرّة المشاريع التنموية والرؤية السعودية الطموحة 2020-2030، وهي رؤية طوّرت وحدّثت المملكة وجعلت منها نموذجاً في النمو والريادة وتحقيق ما هو أكبر من الأهداف المعلنة في أوقات قياسية. لقاء «نيوم» الذي جمع القيادتين لم يكن بعيداً عن جوهر الأزمة الراهنة في الشرق الأوسط، وهو الصراع والتدمير والحرب البشعة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي على أهالي القطاع المجرّدين من السلاح، والتعديات اليومية والتضييق الإسرائيلي على أهالي الضفة الغربية، وسط إعلان السلطة الفلسطينية أن الاحتلال يريد الإجهاز على مفهوم القضية وخيار السلام وإنهاء الحق الفلسطيني بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. للأسف، إن النتائج الوخيمة لما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كانت وستظل كبيرة وكارثية، والخاسر الأكبر هو الشعب الغزّي والمشروع الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي باتت مهددة الوجود مع إعلان حكومة نتنياهو إعادة احتلال غزة، سواء لوقت محدد أم مفتوح. الأردن والسعودية كانا الصوت المرتفع عربياً وإقليمياً وعالمياً في الدفاع عن أهلنا في غزة، وتعرية الخطاب الصهيوني وأكاذيبه، فالسعودية علّقت أي قبول مستقبلي لإسرائيل في المنطقة بالاعتراف بحق الفلسطينيين في دولتهم، وهو صوت سعودي عقلاني وأرشد، يعي أهمية السلام كخيار للعيش في جغرافيا الشرق الأوسط الساخنة، وهو صوت حكمة له جذور حقيقية بتبنّي خيار السلام منذ قمة فاس 1981، وإعلان مبادرة (ولي العهد آنذاك) لاحقاً الملك فهد بن عبدالعزيز، والتي كانت تتكون من ثماني نقاط رئيسية تهدف إلى تحقيق السلام في المنطقة، بما في ذلك انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. وللأسف، أفشلت منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات المبادرة واحتجوا بأن المبادرة لا تذكر المنظمة، أي إن الأهمية كانت عند الإخوة الفلسطينيين يومها للمسميات أكثر من جوهر القضية، وآنذاك جيّش أبو عمار والمنظمة رؤساء البلديات الفلسطينية في الداخل للتنديد بالمبادرة، وبقي الأمر إلى أن جاءت حرب الخليج الثانية التي دفعت بخيار السلام عبر مؤتمر مدريد. بعد تعثّر خيار أوسلو المنبثق عن مسار مدريد، والذي قفزت به المنظمة لوحدها، جاءت المبادرة العربية للسلام التي اقترحها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، والذي كان ولياً للعهد آنذاك، وذلك في قمة بيروت 2002، والتي دعت إلى التطبيع الكامل في العلاقات مع إسرائيل مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية التي احتلتها منذ حرب الخامس من يونيو/حزيران من عام 1967، وقد حظيت بإجماع عربي خلال القمة، ولكنها فشلت بسبب العنت الإسرائيلي المتمثل في حكومة شارون التي كانت مسؤولة عن اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000 وبقيت حتى عام 2005. أما السلطة الفلسطينية في زمن عرفات ولاحقاً أبو مازن فقد تبنّت المبادرة واعتبرتها السقف النهائي لمطالب الفلسطينيين وآمالهم المستقبلية. بالأمس، من مدينة نيوم رمز المستقبل للشرق الأوسط الجديد، وقبل ذلك من خلال قمة الرياض العربية الإسلامية والعديد من الاجتماعات واللقاءات، وتزعّم المملكة العربية السعودية للمجموعة العربية الدبلوماسية من أجل وقف حرب غزة وإيضاح معاناة أهل غزة والضفة، عاد الصوتان الأردني والسعودي لتأكيد المؤكد أردنياً وسعودياً، فيما يخص مستقبل غزة عشية تهديد نتنياهو بإعادة الاحتلال للقطاع. وهو صوت لم ينفك مدافعاً وحريصاً على إعادة حضور القضية الفلسطينية وحل الدولتين، والدفاع عن الإخوة في غزة ورفع المعاناة دبلوماسياً وإغاثياً. ختاماً، التنسيق السعودي والأردني ظلّ دوماً قريباً من ناحية الرؤى المشتركة في قضايا الأمة، واليوم هو أكثر قرباً وتنسيقاً في نيوم ورمزيّتها في القرب الجغرافي للأردن المعتمد كشريك موثوق وآمن جيوسياسياً بالنسبة للسعودية، وكذلك في جغرافيا الأفكار والرؤى العقلانية الثقيلة والراشدة بالنسبة لعقل الرياض الحكيم.