في منتصف اغسطس/آب 2005 نفذت حكومة العدو الصهيوني برئاسة المجرم ارئيل شارون خطة فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية والتي عٌرفت حينها باسم «قانون الانسحاب» من قطاع غزة، كان قرار فك الارتباط عن قطاع غزة كما لو أنه نهاية حقبة، انسحب الجيش، وتم تفكيك المستوطنات، كل ذلك خلال ثمانية ايام فقط، وكان خطاب رسمي يعد بتقليص الاحتكاك وكلفة الاحتلال، هذا القرار جاء نتيجة لمعركة ايام الغضب التي فشل فيها العدو الصهيوني في تحقيق أهدافه بمنع إطلاق الصواريخ من غزة. بعد نحو عقدين، ينقلب المشهد إلى نقيضه، حرب ممتدة، خطاب انتقامي، خطط لإعادة السيطرة المباشرة على القطاع، كلها تحت عنوان «استئصال المقاومة ونزع سلاحها بل والسلاح من غزة عموما، وتأمين الحدود، والواضح ان ما تغيّر ليس طبيعة غزة، بل المزاج السياسي الصهيوني الخاضع تحت اوامر رؤية اليمين القومي ـ الديني المتطرف والمتجسد في حكومة الفاشي بنيامين نتنياهو الان، ولان قلب القرار في يد هؤلاء فهناك خطة واضحة بالنسبة لهم تتمثل في مشروع إعادة هندسة سكانية وسياسية في القطاع على الرغم من معارضة الجيش الصهيوني الذي يرى في الامر الانتحار غرقا في وحل «غزة»، و السؤال... لم يعد كيف نخرج من غزة؟ بل بأي ثمن سنعود إليها، وكم سيدوم المستنقع هذه المرة؟ هنا يجوز لنا ان نتساءل عن التغيير في التوجه الصهيوني من مربع ادارة الازمة الى مربع سياسة الانتقام ومن ثم الى البقاء السياسي، ليدخل على الخط طموحات واطماع الرئيس الامريكي دونالد ترامب في السيطرة على القطاع واجبار سكانه على الهجرة خارجه، والتي تلاقت مع اهواء نتنياهو المرضي عنه امريكيا وبشكل شخصي. فيما يتردد صهيونيا فان الامر جد خطير سياسيا وعسكريا في داخل الدولة الصهيونية المزعومة، فلا خطة لاحتلال «غزة» وهي قيد البحث، الا ان ملامحها المعلنة تشي باحتلال تدريجي بغطاء امني، للسيطرة على محاور مركزية، دفع السكان جنوبًا، إنشاء مناطق «منخفضة القتال»، والاهم ان هذه الخطة محكومة بإطار زمني طويل يشي بان الوضع المستقبلي سيكون مستداما، وباعتراف قادة جيش العدو الصهيوني فان هذه الخطوة كارثية بكل المقاييس، اي ان ما اعتبره شارون قبل عقدين مأزقا بنيويا يعاد اليوم تجاهله بدوافع سياسية وانتخابية. وفي قراءة لاهداف هذه العملية الحقيرة، فان المعلن منها هو تحييد المقاومة وضمان أمن الحدود ومنع تكرار الهجمات، لكن ضمنيا هناك توجه اكيد لإعادة إنتاج واقع سياسي دون تمثيل مقاوم فاعل، وفرض ترتيبات سكانية وإدارية تغيّر معادلة القوة في القطاع، وتناست هذه الحكومة الفاشية ان هذا سبب في تآكل الهدف الأمني لصالح واقع احتلالي مفتوح. واذا ما اردنا بحث تداعيات جنون قرارات هذه الحكومة الفاشية اقليميا ودوليا، نجد ان ارتداداتها لا تقل عن الكوارث التي ستحل على القطاع، فاذا ما اخذنا هدف التهجير القسري الى الجنوب ودفعهم نحو الهجرة الطوعية، فاننا نرى ان ديناميكيات هذا الدفع القسري تصطدم بحساسية سيادية وأمنية مصرية، وتفتح ملف سيناء كهاجس دائم. قطاع غزة ليس مسألة أمنية يمكن حلها بزيادة الجرعة العسكرية؛ إنها اختبار أخلاقي واستراتيجي لقدرة كيان على تمييز حدود القوة وحدود القانون وحدود الإنسانية، وما يبدو حسما في خرائط غرف العمليات يتحول على الأرض إلى مستنقع مفتوح يلتهم جيش الاحتلال وموارده، ويخلق مجتمعا يختنق تحت ركامه، وإقليما يتأرجح على حافة اتساع النار.