«التوجيهي» في الأردن ليس مجرد امتحان وعلامات ومعدلات، وليس مجرد «ناجح» أو «راسب» أو «إكمال»، ولا يجب أن تُقرأ نتائجه علمياً وأكاديمياً وتربوياً فقط، بل من المهم قراءة النتائج والمخرجات من جوانب اقتصادية واجتماعية، وأسباب ذلك نذكرها في النقاط التالية:
اقتصادياً:
1 - قبل «التوجيهي» بعام على الأقل، يبدأ الأهل بالاستعداد لتوفير كل ما يلزم الأبناء من أجل الحصول على أعلى الدرجات وأرفع النِّسَب المئوية، حتى يتمكنوا من اختيار التخصّص الذي يرغبون دراسته في الجامعة، فيتم تخصيص «موازنة مالية» لتوفير كل ما يحتاجه الأبناء والبنات من دروس خصوصية ودورات ومراكز وكرّاسات وبطاقات... إلخ، لأن كل ما يتم دفعه هو استثمار في حاضر ومستقبل أبنائنا وبناتنا.
2 - حتى اختيار المدرسة، وتحديداً في المرحلة الثانوية، يتم وفقاً لأسس اقتصادية لدى فئة من المجتمع تسخّر كافة إمكاناتها لاختيار المدرسة (مهما كانت قيمة القسط) القادرة على تقديم أفضل الإمكانات والخبرات التي تمكّن الأبناء من تحقيق أعلى الدرجات.
3 - «التوجيهي» كما هو استثمار مهم لدى جميع المدارس في الطاقات الإبداعية لدى الطلبة والطالبات، فهو كذلك بالنسبة للمعلمين والمعلمات، (وانتظروا أياماً قليلة) لتروا إعلانات المدارس التي نجحت بتخريج كوكبة من الأوائل على يد أكفاء من المدرسين والمدرسات - وهذا حقهم ومصدر فخر لهم - لكن لكل ذلك مردود اقتصادي على سمعة المدارس «الناجحة» وعلى مكانة وكفاءة «الكادر التدريسي» لديها.
4 - كم من المبالغ التي تنفقها مراكز ومعاهد على كرّاسات وبرامج ومنصّات من أجل «التوجيهي».
5 - كم من المبالغ التي ترصدها وزارة التربية والتعليم سنوياً من أجل إنجاز امتحان الثانوية العامة، من مصاريف إدارية ولوجستية وقاعات وإضافي ومكافآت للمشرفين والمشرفات والمراقبين والمراقبات، وكل ما يلزم لإنجاح «التوجيهي».
6 - يوم الإعلان عن نتائج التوجيهي، هو يوم «عيد استهلاكي» تنشط فيه قطاعات استهلاكية اقتصادية، في مقدمتها محلات الحلويات والمطاعم والقهوة والشاي والمكسرات، وتتواصل أيام التهاني لتطال محلات الذهب والمجوهرات والهدايا، مع نشاط ملحوظ لحركة النقل في العاصمة وبين المحافظات، وزيادة الصرف في المحروقات والكهرباء، وغير ذلك من قطاعات يزداد نشاطها... فالتوجيهي يحرّك السيولة ويزيد الحركة الشرائية والاستهلاكية.
7 - نتائج التوجيهي ترسم ملامح المستقبل للدولة من حيث توجهات القبول في الجامعات، وتُعطي مؤشراً واضحاً حول مخرجات سوق العمل.
8 - الجامعات تنتظر نتائج التوجيهي لـ»تحسب» أعداد الدارسين الجدد والتخصصات الجديدة والقديمة، وما عليها أن توفّر لهم، وفي كل ذلك «حسابات جدوى اقتصادية» ليس فقط بالنسبة للجامعات الخاصة، بل والحكومية أيضاً.
9 - حتى «موازنة الحكومة للعام 2026» ترتبط بنتائج التوجيهي من حيث دعم الجامعات وصندوق دعم الطالب وغيرها من الأمور.
باختصار: التوجيهي ينشّط ما يمكن أن أسميه «اقتصادات الفرح» بكل تفاصيلها، وهي أرقام مهولة جداً لو تمّ احتسابها بدقة بين تأثير مباشر وغير مباشر، لكن أثرها - بغض النظر عن حجمها - كبير في تنشيط عجلة الاقتصاد.
اجتماعياً:
1 - الأثر الاجتماعي للتوجيهي أكثر ظهوراً بدءاً من حالة «الاستنفار» التي تعلنها العائلات التي لديها طالب أو طالبة توجيهي بداية العام الدراسي، وتضع قيوداً اجتماعية على الزيارات والمناسبات من أجل توفير جميع سبل الراحة والتركيز والجو النفسي لطالب أو طالبة التوجيهي، وكأنها تضع على باب البيت «نرجو عدم الإزعاج.. في بيتنا توجيهي».
2 - النجاح في التوجيهي والمعدلات العالية «مفخرة اجتماعية مستحقة» يتلقاها الأهل قبل الأبناء بفرحة كبيرة جداً.
3 - الرسوب أو عدم النجاح أو حتى نسب النجاح المتدنية مزعج «اجتماعياً»، ويحتاج إلى تعامل «نفسي حصيف» من قبل العائلات مع من لم يحالفهم الحظ بغضّ النظر عن السبب.
4 - كثير من خيارات الالتحاق في الجامعات بعد ظهور نتائج التوجيهي يتحكم بها «النظرة الاجتماعية»، فكثيرون يوجّهون الأبناء نحو «الطب والهندسة» كظاهرة اجتماعية هدفها لقب «أبو أو أم الدكتور أو الدكتورة»، حتى لو لم يرغب الأبناء بهذا التخصص.
*باختصار: نتائج التوجيهي تنعكس على البلد اقتصادياً واجتماعياً، و»التوجيهي» في حياة الأردنيين ليس مجرد امتحان للأبناء والبنات، بل إن النسبة التي يحصل عليها الطالب أو الطالبة هي شهادة يدفع ثمنها الأب والأم والعائلة، وهي نتيجة 12 عاماً من الدراسة تُحسم في أسبوعين تقريباً، وهو بوابة عبور نحو مستقبل تحدده علامة التوجيهي، مروراً بجامعات أو معاهد أو غير ذلك، داخل الأردن أو خارجه.
مبروك للناجحين والناجحات، وحظاً أوفر لمن لم يحالفهم الحظ.