الضمان الاجتماعي .. بين ضغط النفقات وتحديات الاستدامة وتخوف المشتركين

* (دراسة تحليلية علمية مبنية على بيانات رسمية وتقارير اكتوارية)

يشكّل صندوق الضمان الاجتماعي في الأردن أحد أعمدة الحماية الاجتماعية في البلاد، إلا أنّ تزايد النفقات، وتباطؤ الاشتراكات، والتركيبة الاستثمارية الحالية للصندوق، تطرح تساؤلات عميقة حول ديمومته ، في هذا المقال نحلل الوضع المالي للصندوق بناءً على بيانات المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وصندوق استثمار أموال الضمان، والدراسات الاكتوارية المنشورة، بهدف تقديم رؤية علمية حول مستقبله المالي.

أولًا: الإيرادات الشهرية والسنوية لأموال المشتركين : وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي لعام 2024، بلغ عدد المشتركين الفعّالين في النظام نحو 1.44 مليون مشترك ، منهم ما يزيد على 400 ألف في القطاع العام ، والبقية في القطاع الخاص والمشاريع الفردية ، وتُقدّر الاشتراكات المحصلة شهريا : مليون دينار أردني شهريًا وبمتوسط اشتراك فردي حوالي 83 دينارًا. اي ما يعادل نحو 1.45 مليار دينار سنويًا. (المصدر: تقرير الأداء السنوي 2023/2024 للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي)

ثانيًا: هيكل الاستثمارات والعائدات: يدير صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي (SSIF) أصول الصندوق بقيمة إجمالية بلغت 13.7 مليار دينار أردني بنهاية 2024.وتوزع المحفظة الاستثماركما يلي ى:

• 57% سندات حكومية ، حوالي 7.8 مليار دينار
• 14% أسهم مدرجة في بورصة عمان
• 12% ودائع بنكية
• 6% قروض واستثمار مباشر
• 8% عقارات ومشاريع تنموية (المصدر: التقرير السنوي لصندوق الاستثمار 2024)

وقد حقق الصندوق عائدًا سنويًا بلغ 625 مليون دينار في 2023 عام ، أي ما يعادل متوسط عائد 5.6%. وتُعد هذه النسبة جيدة من الناحية الاسمية ، إلا أن العائد الحقيقي قد يكون أقل إذا ما أُخذ معدل التضخم السنوي بعين الاعتبار (والذي بلغ 4.1% في نفس الفترة).

ثالثًا: المصروفات ونقطة التوازن الحرجة

في المقابل، تُظهر البيانات أن المصروفات السنوية في ازدياد مطّرد، وتشمل:

نوع المصروف ) القيمة السنوية التقديرية 2024)
رواتب تقاعدية 1.45 مليار دينار
تأمينات أخرى (تعطل، أمومة، إصابات...) 160 مليون دينار
نفقات إدارية وتشغيلية 35 مليون دينار

المجموع: نحو 1.65 مليار دينار سنويًا اي أعلى من الإيرادات المباشرة من الاشتراكات. (المصدر: تقرير المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي 2024 – قسم الموازنة والتحليل المالي)

رابعًا: الدراسات الاكتوارية وتحذيرات مستقبلية :تشير آخر الدراسات الاكتوارية (الدراسة التاسعة) التي أجرتها المؤسسة بالتعاون مع خبراء دوليين، إلى ما يلي: 1- نقطة التوازن المالي (نقطة العجز) متوقعة في عام 2039 إذا لم تُتخذ إجراءات هيكلية. 2- احتمال بدء السحب من الاحتياطيات الاستثمارية بعد عام 2041 . 3 - نسبة الإعالة (عدد المتقاعدين إلى عدد المشتركين) آخذة في الارتفاع ، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على الصندوق.( المصدر: التقرير الاكتواري التاسع للضمان الاجتماعي، 2022)

خامسًا: التحديات المستقبلية : 1- التركيبة الاستثمارية الخطرة: التركّز العالي في السندات الحكومية (أكثر من نصف المحفظة) يزيد من الارتباط بالمخاطر المالية للدولة. 2- غياب التنويع الجغرافي والقطاعي: معظم الاستثمارات داخل السوق الأردني، مما يجعل العائد عرضة للتباطؤ الاقتصادي المحلي. 3- ضعف الشفافية الدورية: رغم نشر تقارير سنوية، تغيب التحديثات الفصلية أو التحليلات المفصلة التي تمكن الباحثين والمواطنين من التقييم المستقل. 4 - اتساع نطاق الإنفاق التأميني: تضاعف عدد المستفيدين من برامج التأمين الأخرى (مثل تعويض التعطل والتأمين الصحي)، دون وجود مصادر تمويل مستقلة لها.

وامام هذا الوقع لابد من بناء استراتيجية إنقاذية طويلة الأمد ، تتطلب الحفاظ على ديمومة الصندوق هو أن تتبنى الدولة والمجلس التشريعي وصندوق الاستثمار جملة من الإجراءات العاجلة، ولعل من اهمها : 1- إعادة النظر في قوانين التقاعد المبكر التي تكلّف الصندوق مليارات سنويًا. 2- تعديل آليات الاستثمار نحو قطاعات إنتاجية ذات مردود طويل الأمد ، مثل الطاقة المتجددة والصناعات التحو

3- .تحسين الحوكمة والاستقلال المالي للصندوق ليبتعد عن الضغوط السياسية. 4-إصدار تقارير ربع سنوية شفافة للعموم والباحثين.

وخلاصة القول انه لا يمكن الحديث عن حماية "أموال الأردنيين" دون بناء ثقة قائمة على الشفافية، والتقييم العلمي، والمساءلة المجتمعية ، اي المحافظة على الوضع و ابقاءه بين الثقة العامة والمساءلة المؤسسية، وعلى الرغم من استقرار الوضع المالي الظاهري لصندوق الضمان اليوم ، إلا أن التحديات البنيوية تفرض العمل العاجل وليس المؤجل.إن الصندوق ليس مجرد "مؤسسة"، بل هو الركيزة الوطنية لحماية الكرامة الاجتماعية والاقتصادية للأردنيين بعد التقاعد ، وأي إهمال في حمايته سيكون له ثمن باهظ الثمن .

حمى الله الاردن و سدد على طريق الحق خطى قيادته وشعبه .